فهذا يكون نصيبهم من الفتنة، والعارف إذا رجع إلى ما فيه حَظَّ له، نَظَرَ إليه المريدُ فتتداخله فتنة فَتْرَةٌ فيما هو به من الصدق المنازلة، فيكون ذلك نصيبه من فتنة العارف. وبالجملة : إذا غفل المَلِكُ، وتَشَاغَلَ عن سياسة رعيته، تَعَطَّلَ الجندُ والرعية، وعَظُمَ فيهم الخَلَلُ والبَليَّة، وفي معناه أنشدوا :
رُعَاتُك ضيَّعوا ـ بالجهل منهم
غُنَيْمَاتٍ فَساسَتْها ذِئابُ
انتهى كلامه رضي الله عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩
يقول الحق جل جلاله :﴿واذكروا إذ أنتم قليل﴾ أي ؛ اذكروا هذه النعمة، حيث
٢٠
كنتم بمكة وأنتم قليل عَددكم مع كثرة عدوكم، ﴿مستضعفون في الأرض﴾ أي : أرض مكة، يستضعفكم قريش ويعذبونكم ويضيقون عليكم، ﴿تخافون أن يتخطفكم الناسُ﴾ أي : قريش، أو من عداهم، ﴿فآواكم﴾ إلى المدينة، وجعلها لكم مأوىً تتحصنون بها من أعدائكم، ﴿وأَيَّدكم﴾ أي : قواكم ﴿بنصره﴾ على الكفار، أو بمظاهرة الأنصار، أو بإمداد الملائكة يوم بدر، ﴿ورزَقكم من الطيبات﴾ ؛ من الغنائم، ﴿لعلكم تشكرون﴾ هذه النعم.
والخطاب للمهاجرين، وقيل : للعرب كافة ؛ فإنهم كانوا أذلاء في أيدي فارس والروم، يخافون أن يتخطفهم الناس من كثرة الفتن، فكان القوي يأكل الضعيف منهم، فآواهم الله إلى الإسلام، فحصل بينهم الأمن والأمان، وأيدهم بنصره، حيث نصرهم على جميع الأديان، وأعزهم بمحمد ﷺ، ورزقهم من الطيبات، حيث فتح عليهم البلاد، وملكوا ملك فارس والروم، فملكوا ديارهم وأموالهم، ونكحوا نساءهم وبناتِهم، لعلهم يشكرون.