ثم قال : وعلى ما تقرر في السعادة، فالشقاوة : احتجاب العبد بوجوده عن شهوده، فلا يَنفَكُّ عن أمل، ولا عن خوف عطب. فيستحثه الطبع للسؤال جلباً أو دفعاً. وهو في ذلك في شقاء، سواء أعطى أو منع ؛ لفقده قرةَ عينه وراحة قلبه، لأسْره في طبعه، ومكابدة أمره وهلعه. كما قال تعالى :﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج : ١٩ـ ٢٢]، فلم يستثن من كد الطبع ومكابدته غير أهل الصلاة الدائمة، وهم أهل الوجهة لله، المواجَهين بعناية الله، المتحققين بذكر الله. وقد وَرَدَ :" هُمُ القَوْم لاَ يَشْفَى جَلِيسُهُم " فضلاً عنهم. وعلى الجملة : فالمراد بالسعادة والشقاوة في كلامه ـ أي الشاذلي ـ الباطنة لا الظاهرة، والقلبية لا القالبية. وإن كان قد تطلق على ذلك أيضاً، لكن لكل مقام مقال. وقد قال تعالى :﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىا﴾ [طه : ١٢٣].
قال في نوادر الأصول : تَابعُ القرآن قد أجير من شقاء العيش في الدنيا ؛ لراحة قلبه من غموم الدنيا وظلماتها، وسَيره في الأمور بقلبه في راحة ؛ لأنه منشرحُ الصدر واسعه، وبدنه في راحة ؛ لأنه ميسر عليه أمور الدنيا، تُهيأ له في يسر ؛ لضمان الله، واكتنافه له. وكذا يجار في الآخرة من شقاء العيش في سجون النيران. أعاذنا الله من ذلك. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٢