﴿إذ قالوا ليُوسفُ وأخوه﴾ بنيامين، وخُص بالإضافة ؛ لأنه شقيقه، ﴿أحبُّ إلى أبينا منا ونحنُ عصبةٌ﴾ أي : والحال أنا جماعة أقوياء، فنحن أحق بالمحبة ؛ لأنهما لا كفاءة فيهما. والعصبة : العشرة ففوق :﴿إن أبانا لفي ضلالٍ﴾ ؛ خطأ ﴿مبين﴾ ؛ ظاهر ؛ لتفضيل المفضول. رُوي أنه كان أحب إليه ؛ لما كان يرى فيه من مخايل الخير، وكان إخوته يحسدونه، فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة، بحيث لم يصبر عنه، فتناهى حسدهم حتى حملهم على التعرض لقلته. وهكذا شأن الحسد يبلغ بصاحبه امراً عظيماً.
الإشارة : كان يعقوب عليه السلام لا يفارق يوسف ليلاً ولا نهاراً. وهكذا شأن المحبين. وأنشدوا :
وَلِي كَبِدٌ يَسرِي إِليهِم سَلاَمه
بَجَمر تَلَظَّى، والفؤادُ ضِرامُه
وأجفَانُ عَين لا تَمَل من البُكَا
وصَبٌّ تَشَكِّى للحبيب غَرَامُه
فأنتُم سُروري، أنتُم غَايةُ المنى
وقَلبي إِليكم والغرامُ زِمامُه
فَوَالله ما أَحبَبتُ ما عِشتُ غَيرَكم
لأن اشتياقي لا يحل اكتتامه. هـ.
قال الجنيد رضي الله عنه : رأيت غلاماً حسن الوجه يعنف كهلاً حسناً، فقلت : يا غلام، لِمَ تفعل هذا ؟ قال : لأنه يدعي أنه يهواني، ومنذ ثلاث ما رآني، قال : فوقعت مغشياً علي، فلما أفقتُ ما قدرت على النهوض، فقيل لي في ذلك، فقلت : ينبغي للمحب ألا يفارق باب محبوبه على أي حال. وأنشدوا :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٨
لاَزم البابَ إن عَشِقتَ الجَمَالا
واهجُر النَّوم إنْ أردت الوِصَالا
واجعل الروحَ منك أَوَّل نَقدٍ
لحبيبٍ أَنوارُه تَتَلالا
قلت : فالحبيب غيور ؛ لا يحب أن يرى في قلب حبيبه غيره. فإذا رأى فيه شيئاً أخرجه منه، وفرق بينه وبينه ؛ غيرةً منه واعتناء به، وهو السر في افتراق يوسف من أبيه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٨
يقول الحق جل جلاله : قال إخوة يوسف لما حركهم الحسد ﴿اقتلوا يوسف﴾ ؛
٢٥٩