قلت :(لمّا) حرف وجود لوجود، يطلب الشرط والجواب، وجوابها هنا محذوف، أي : فعلوا به ما فعلوا. وقيل : جوابها :(أجمعوا)، وقيل :(أوحينا) على زيادة الواو فيهما. وجملة :(وهم لا يشعرون) : حال من (تنبئنهم)، فيكون خطاباً ليوسف عليه السلام، أو من (أوحينا) ؛ أي : وهم لا يشعرون حين أوحينا إليه. فيكون حينئذٍ الخطاب لسيدنا محمد ﷺ، و(صبر جميل) : مبتدأ، والخبر محذوف، أي : مثل. أو : خبر عن مبتدأ، أي : أمري صبر جميل. و(على قميصه) : في موضع نصب على الظرف، أي : فوق قيمصه. أو : حال من الدم ؛ إن جوز تقديمها على المجرور.
يقول الحق جل جلاله : فلما ذهبوا بيوسف معهم ﴿وأجْمَعُوا﴾ أي : عزموا ﴿أن يجعلوه في غيابات الجُبِّ﴾ ؛ وهو بئر بأرض الأردن، أو بين مصر ومدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب.
قال الفراء : كان حفره شداد بن عاد. فانظره. قال السدي : ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر
٢٦٢
فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيماً. فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح : يا أبتاه، يا يعقوب، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء. هـ. وكان إخوته سبعة من خالته الحرة، والباقون من سريتين له، كما تقدم.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان يعقوب عليه السلام ينظر إلى يوسف عليه السلام حتى غاب عنه، وعن نظره، فلما علموا أنهم غيبوه عنه، وضعوه في الأرض وجروه عليها، ولطموا خده، فجرد شمعون سكينه وأراد ذبحه، فتعلق بذيل روبيل وضربه، وكذلك جيمع إخواته ؛ إذا لجأ لواحد منهم طرده، فضحك عند ذلك يوسف عليه السلام فقال له يهوذا : ليس هذا موضع الضحك يا يوسف، فقال : من تعزز بغير الله ذل، ظننت أنه لا يصيبني وأنا بينكم مكروه لما رأيت من قوتكم وشدتكم، فسلطكم الله علي بشؤم تلك الفكرة ؛ حتى لا يكون التوكل إلا عليه والتعزز إلا به. هـ. بالمعنى.