ثم ذكر الحق تعالى ما قاله الشاهد، فقال :﴿إن كان قميصُه قُدَّ من قُبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين﴾ ؛ لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قُدامه بالدفع عن نفسها. أو لأنه أسرع خلفها فعثر بذيله فانقدَّ جَيبُه. ﴿وإن كان قميصُه قُدَّ من دُبر فكذبت وهو من الصادقين﴾ ؛ لأنها جذبته إلى نفسها حين فرَّ منها. والجملة الشرطية محكية بالقول، أي : قال : إن كان... إلخ. وتسميتها شهادة ؛ لأنها أدت مؤداها. والجمع بين " إنْ " و " كان " على تأويل : إن يعلم أنه كان، ونحوه، ونظيره : قولك : إن أحسنت إليَّ فقد أحسنت إليك من قبل. فإن معناه : إن تمنن علي بإحسانك امنن عليك بإحساني. ومعناه : إن ظهر أنه كان قميصه... الخ.
﴿فلمّا رأى﴾ زوجُها قميصَ يوسف ﴿قُدَّ من دُبرٍ قال إنه﴾ أي : قَوْلُكِ :﴿ما جزاء...﴾ الخ. ﴿من كَيدِكُنَّ﴾ ؛ من حيلتكن. والخطاب لها ولأمثالها ولسائر النساء. ﴿إنَّ كيدَكُنَّ عَظيم﴾ ؛ لأن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب، وأشد تاثيراً من النفس والشيطان ؛ لأنهن يواجهن به الرجال، والنفس والشيطان يوسوسان مسارقة. ثم التفت العزيزُ إلى يوسف وقال :﴿يوسفُ﴾ اي : يا يوسف. وحذف النداء ؛ إشارة إلى تقريبه وملاطفته، ﴿أعرضْ عن هذا﴾ الأمر واكتمه، ولا تذكره، ﴿واستغفري﴾ يا زليخا ﴿لذنبك إنك كنت من الخاطئين﴾ ؛ من القوم المذنبين من خطأ ؛ إذا أذنب متعمداً. والتذكير للتغليب. قاله البيضاوي.
الإشارة : إذا أراد الله أن يصافي عبده بخصوصية النبوة، أو الولاية، كلأه بعين الرعاية، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيَّده بعصمته، وسابق حفظه ورعايته، ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة في البشر أمر طبيعي وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج في دفعها إلى كبير مجاهدة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٩


الصفحة التالية
Icon