جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٦
يقول الحق جل جلاله :﴿له دعوةُ الحق﴾ ؛ لأنه الذي يحق أن يُدعى فيجيب، دون غيره ؛ فإنما له الدعاء الباطل ؛ لأنه يُدعى فلا يسمع ولا يجيب. أو : له دعوة الحق، وهي كلمة التوحيد ؛ " لا إله إلا الله، فمن دعا إليها فقد دعا إلى الحق. والأول أرجح ؛ لمناسبة قوله :﴿والذين يَدْعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء﴾، أي : والأصنام الذين يدعونهم من دونه لا يستجيبون لهم بشيء، مما طلبوا، أو : والمشركون الذين يدعون أصناماً من دون الله لا يستجيبون لهم بشيء، فحذف المفعول ؛ للدلالة عليه، فلا يستجيبون لهم ﴿إلا كباسط كَفَّيْه إلى الماء﴾ ؛ إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء يشير إليه، ﴿ليبلغ فاهُ﴾ ؛ أي : يطلب منه أن يصعد إليه ويبلغ فاه ﴿وما هو ببالغه﴾ أي : ليس الماء ببالغ فاه، لأنه جماد لا يشعر بدعائه، ولا يقدر على إجابته من حيث هو، شَبّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفه، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه، ولا يبلغ فاه أبداً ؛ لأنه جماد لا يسمع ولا يعقل، وكذلك الأصنام لا تسمع ولا تجيب من بسط إليها يده ليطلب منها ؛ لأنها خشب وأحجار. ﴿وما دعاءُ الكافرين﴾ للأصنام، ﴿إلا في ضلال﴾ وخسران وضياع.
ثم ذكر الحقيق بالعبادة والطلب، فقال :﴿ولله يسجدُ من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً﴾ يحتمل أن يكون السجود حقيقة، فالملائكة والمؤمنون يسجدون طوعاً في الشدة والرخاء يسجدون كرهاً في الشدة والضرورة. أو يكون مجازاً ؛ وهو : انقيادهم لما أراد منهم، شاؤوا أو كرهوا. ﴿و﴾ تسجد أيضاً ﴿ظلالُهم﴾ ؛ بانقيادها لله تعالى في طولها وقصرها، وميلها من جانب إلى جانب، ﴿بالغدو والآصالِ﴾، أي : طرفَيْ النهار. وخُصَّ هذان الوقتان ـ وإن كان سجودهما دائماً ـ ؛ لأن الظلال إنما تَعْظُم وتكبر فيهما. وقال الواحدي : كل شخص مؤمن أو كافر ظله يسجد لله تعالى، ونحن لا نقف على كيفية ذلك. هـ.


الصفحة التالية
Icon