﴿والملائكةُ يدخلون عليهم من كل بابٍ﴾ من أبواب المنازل، أو من أبواب الفتوح والتحف، قائلين :﴿سلامٌ عليكم﴾ ؛ بشارة بدوام السلامة، هذا ﴿بما صبرتم﴾، أو سلامة لكم بسبب صبركم. ﴿فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار﴾ التي سكنوها ورحلوا عنها دارهم هذه.
الإشارة : أفمن تَصَفَّتْ مرآة قلبه من الأكدار والأغيار، حتى أبصرت أمطار العلوم والأسرار النازلة من سماء الملكوت على النبي المختار، فتضلع منها حتى امتلأ منها قلبه وسره، ونبع بأنهار العلوم لسانه وفكره، كمن هو أعمى القلب والبصيرة، فلم يرفع بذلك رأساً ؟ إنما ينتفع بتلك العلوم أولو القلوب الصافية التي ذهب خبثها، فصفت علومها وأعمالها وأحوالها من زبد المساوئ والعيوب، الذين دخلوا تحت تربية المشايخ، فأوفوا بعهودهم، وواصلوهم، وخافوا ربهم أن يبعدهم من حضرته، أو يناقشهم الحساب ؛ فحاسبوا أنفسهم على الأنفاس والأوقات، وصبروا على دوام المجاهدات، حتى أفضوا إلى فضاء المشاهدات، وأقاموا صلاة القلوب ـ وهي العكوف في حضرة الغيبوب ـ وأنفقوا مما رزقهم من سعة العلوم ومخازن الفهوم، ويقابلون الإساءة بالإحسان ؛ لأنهم أهل مقام الاحسان. أولئك لهم عقبى الدار ؛ وهي العكوف في حضرة الكريم الغفار، تدخل على أبواب قلوبهم المواهبُ والأسرار، تقول بلسان الحال : سلام عليكم بما صبرتم في مجاهدتكم، فنعم عقبى الدار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٣
٣٣٥