﴿بل زُيِّن للذين كفروا مكرُهُم﴾ أي : انخداعهم وغرورهم حتى توهموا الباطل حقاً، أو مكرهم بالإسلام وكيدهم لأهله، ﴿وصدُّوا عن السبيل﴾ أي : وصدوا الناس عن طريق الحق، حيث منعوهم من الإسلام، ومن قرأ بضم الصاد مبنياً للمفعول فمعناه : صدَّهُم الشيطانُ عن طريق الحق وضلوا عنه. ﴿ومن يُضلل اللَّهُ فما له من هَادٍ﴾ أي : من يخذله الله فليس له من يوقفه غيره. ﴿لهم عذابٌ في الحياة الدنيا﴾ بالقتل والأسر، وسائر
٣٤٣
ما يصيبهم من المصائب، ﴿ولعذابُ الآخرة أشقُ﴾ ؛ لشدته ودوامه، ﴿وما لهم من الله﴾ اي : من عذابه ﴿من واقٍ﴾ يقيهم ويعصمهم منه.
الإشارة : كل من تحقق أن الله قائم عليه استحيا منه أن يُسيء الأدب بين يديه، يقول الله تعالى في بعض الأخبار :" إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم، فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فَلَمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ " وكل من وقف مع الأسباب واعتمد عليها، أو طمع في الخلق وركن إليهم، فقد جعل لله شركاء، فيقال له : سَمِّ هؤلاء تجدهم حقاً عاجزين، لا قدرة لهم على شيء، ولا ينفعوك بشيء إلا ما قَسَم الله لك في الأزل. بل زين لضعفاء اليقين مكرهم، حتى انخدعوا وافتتنوا برؤية الأسباب، أي : كفروا كفراً دون كفر ؛ بأن شكّوا في الرزق والشكُّ في الرزق شكٌ في الرزَّاق، وصدوا عن طريق اليقين، الغنى برب العالمين، لهم عذاب في الحياة الدنيا بالذل والحرص والحرمان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٣
قال بعض العارفين : لو قيل للطمع : من أبوك ؟ لقال : الشك في المقدور، ولو قيل له : ما حرفتك ؟ لقال : الذل والهوان، ولو قيل له : ما غايتك ؟ لقال : الحرمان. وفي الحِكَم :" ما بَسَقَتْ أغصانُ ذُلٍّ إلا عَلَى بَذْرِ طَمعٍ ". وقال الشاعر :
العَبدُ حُرٌّ مَا قَنَع
والحرُّ عَبدٌ ما طَمعْ