جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٥
ولذلك قال لهم موسى عليه السلام :﴿وإذْ تأذَّنَ ربكُمْ﴾ أي : آذن، بمعنى أعلمَ، كتوعَّد وأوعد، غير أنَّ تأذن أبلغ من آذن ؛ لما في تفعّل من التكلف والمبالغة، أي أعلمكم، وقال : والله ﴿لئن شكرتم﴾ يا بني إسرائيل ما أنعمتُ به عليكم من الإنجاء وغيره، بالإيمان والعمل الصالح، وبالإقرار باللسان، وإفراد النعمة للمنعم بالجَنَان، ﴿لأَزيدَنَّكُمْ﴾ نعمة على نعمة. وهذ الخطاب، وإن كان لبني إسرائيل، يعم جميع الخلق، والزيادة إما من خير الدنيا، أو ثواب الآخرة. وشكر الخواص يكون على السراء والضراء ؛ فتكون الزيادة في الضراء، إما في ثواب أو في التقريب. ثم ذكر ضده فقال :﴿ولئن كفرتم﴾ ما أنعمتُ به عليكم، وقابلتموه بالكفر والعصيان، ﴿أنَّ عذابي لشديد﴾ ؛ فأعذبكم به على كفركم. قال البيضاوي : ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويُعرض بالوعيد. هـ. فصرح بوصول الزيادة إليهم، ولم يقل : أعذبكم عذاباً شديداً، بل عظم عذابه في الجملة.
﴿وقال موسى﴾، في شأن من لم يشكر :﴿إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً﴾ من الثقلين، ﴿فإنَّ الله لغنيٌّ﴾ عن شكركم، ﴿حميد﴾ : محمود على ألسنة خلقه، من الملائكة وغيرهم. فكل ذرة من المخلوقات ناطقة بحمده ؛ حالاً أو مقالاً، فهو غني أيضاً عن حمدكم، فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم ؛ حيث حرمتموها مزيد الإنعام، وعرضتموها لشديد الانتقال. وبالله التوفيق.