وبهذا تظهر فضيلة عمل القلوب، كعبادة التفكر والاعتبار، أو الشهود والاستبصار، أو نية صالحة وهدى صالح، أو زهد في القلب، وورع وصبر، وشكر وحلم، وغير ذلك من أعمال القلوب، التي لا يطلع عليها ملك فيكتبه، ولا شيطان فيُفسده، بل يتولى جزاءه أكرمُ الأكرمين. ولذلك قيل : ذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح. وقال عليه الصلاة والسلام :" تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " ولهذا أمر به ـ أي : بالتفكير ـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
يقول الحق جل جلاله :﴿ألم تَرَ﴾ يا محمد، أو أيها السامع ﴿أن الله خلق السماوات والأرض بالحق﴾ ؛ لتدل على الحق، أو بالوجه الذي يحقَّ ان تُخلق لأجله، وهو التعريف بخالقها، وبقدرته الباهرة التي تقدر على الإيجاد والإعدام، ولذلك قال :﴿إن يشأ يُذهبكم ويأت بخَلْقٍ جديدٍ﴾، أي : إن يشأ يعدمكم ويستبدل مكانكم خلقاً آخر. فإنَّ من قدر على إيجاد صورهم، وما تتوقف عليه مادتهم، قادر على أن يبدلهم بخلق آخر ؛ ﴿وما ذلك على الله بعزيز﴾ أي : بمتعذر، أو ممتنع ؛ لأن قدرته عامة التعلق، لا تختص بمقدور دون آخر، ومن كان هذا شأنه كان حقيقاً بأن يُفرد بالعبادة والقصد ؛ رجاء لثوابه، وخوفاً من عقابه يوم الجزاء، الذي أشار إليه بقوله :﴿وبرزوا لله...﴾ إلخ.