قلت :(تَبعاً) : جمع تابع، أو مصدر نُعت به ؛ للمبالغة على حذف مضاف، أي : كنا لكم ذا تبع، و(من عذاب الله من شيء) : من، الأولى ؛ لبيان، والثانية : زائدة، هذا المختار. وـ عليه الصلاة والسلام ـ و(محيص) : إما مصدر، أو اسم مكان.
يقول الحق جل جلاله :﴿وبرزوا لله﴾ أي : لأمر الله ﴿جميعاً﴾، فيبرزون من قبورهم يوم القيامة حفاةً عراةً، لفصل القضاء، أو : برزوا لله على ظنهم ؛ فإنهم كانوا يرتكبون الفواحش خفية، ويظنون أنها تخفى على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم. وإنما عبَّر بالماضي ؛ لتحقق وقوعه. فيقول حينئذٍ ﴿الضعفاءُ﴾ وهم : الأتباع، لضعف رأيهم عندهم، ﴿للذين استكبروا﴾ وهم الرؤساء الذين استتبعوهم وغووهم :﴿إنا كنا لكم تَبَعاً﴾ في الكفر، وتكذيب الرسل، والإعراض عن نصحهم، ﴿فهل أنتم مُغْنون عنا من عذابِ الله من شيء﴾ أي : فهل أنتم دافعون عنا شيئاً من عذاب الله ؟.
﴿قالوا﴾، أي : رؤساؤهم، في جوابهم واعتذارهم :﴿لو هدانا الله لهديناكم﴾ أي : لو هدانا الله للإيمان، ووفقنا إليه لهديناكم ولكن ضللنا فأضللناكم، أي : اخترنا لكم ما اخترنا لأنفسنا، ولو هدانا الله لطريق النجاة من العذاب لهديناكم وأغنيناه عنكم، لكن سُدَّ دوننا طريق الخلاص، ﴿سواءٌ علينا أجزِعْنَا أمْ صَبَرنا﴾، أي : مستوٍ علينا الجزع والصبر، ﴿ما لنا من محيص﴾ : من مهرب ومنجى، ويحتمل أن يكون قوله :﴿سواءٌ علينا...﴾ إلخ، من كلام الفريقين معاً، ويؤيده ما رُوي أنهم يقولون : تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام، فلا ينفعهم، فيقولون : تعالوا نصبر، فيصبرون كذلك، ثم يقولون :﴿سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص﴾. نسأل الله العصمة بمنَّه وكرمه.
٣٦٦


الصفحة التالية
Icon