الإشارة : ينبغي لك أيها العبد الصالح الناصح لنفسه ان تصغي بسمع قلبك إلى هذه المقالة، التي تصدر من الشيطان عند فوات الأوان، فتبادر إلى خلاص نفسك ما دمت في قيد حياتك، قبل حلول رمسك، قبل أن تزل بك القدم، حيث لا ينفعك الندم، فتحاسب نفسك، وتتدبر في عواقب أمرك، وتصحح عقائد توحيدك، وتعمل جهدك في طاعة ربك، وتجتنب مواقع غرور الشيطان، وتعتمد على فضل الكريم المنان، وتجعل الموت نصب عينيك، وما هو مستقبل تجعله حاصلاً، وما هو متوقع تجعله واقعاً ؛ فكل ما هو آت قريب، و ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام : ١٣٤]. وفي الحِكَم :" لو أشرق نور اليقين في قلبك لرأيت الآخرة أقرب من أن ترحل إليها، ولرأيت محاسن الدنيا وكسفة الفناء ظاهرة عليها ". وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٧
٣٦٨
يقول الحق جل جلاله :﴿وأدخل الذين آمنوا﴾، أي : أدخلهم الله على أيدي الملائكة ﴿جنات تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها﴾، فيدخلونها ﴿بإذن ربهم﴾ ؛ بأمره، فيأذن للملائكة أن تُدخلهم حين يقضي بينهم. ﴿تحيتُهم فيها سلامٌ﴾ أي : تحييهم الملائكة، أو الخدام، حين يتلقونهم يسلمون عليهم، ويهنئونهم، على ما في الحديث.
الإشارة : في ذكر هذه الآية بعد خطبة الشيطان تنبيه على وجه الخلاص منه، حتى لا يكون من أهل خطبته، وهو تصحيح الإيمان وتقوية مواده، وهو ما ذكرنا قبل في مواد طمأنينة أهل الإيمان، وإن أسعده الله بصحبة عارف رقَّاه إلى شهود العيان، فلا يكون للشيطان ولا لغيره عليه سلطان، لتحقيق عبوديته، وارتقائه إلى شهود عظمة ربوبيته ؛ قال تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر : ٤٢]، وهم الذين رسخت في قلوبهم شجرة الإيمان، وارتفعت أغصانها إلى الرحمن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٨