ثم قال إبراهيم عليه السلام :﴿ربِّ إنهن أضللن كثيراً من الناس﴾ أي : إن الأصنام أتلفت كثيراً من الخلق عن طريق الحق، فلذلك سألتُ منك العصمة، واستعذتُ بك من إضلالهن، وإسناد الإضلال إليهن باعتبار السببية، كقوله ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأنعام : ٧٠]. ﴿فمن تبعني﴾ على ديني ﴿فإنه مني﴾ ؛ لا ينفك عني في أمر الدين، ﴿ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾، تقدر أن تغفر له ابتداء، أو بعد التوفيق للتوبة. وفيه دليل على أن كل ذنب فللَّه أن يغفره، حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرَّق بينه وبين غيره، قاله البيضاوي. قال ابن جزي :﴿ومن عصاني﴾ ؛ يريد : بغير الكفر، أو عصاه بالكفر ثم تاب منه، فهو الذي يصح أن يدعى له بالمغفرة، ولكنه ذكر اللفظ بالعموم ؛ لما كان فيه ـ عليه السلام ـ من التخلْق بالرحمة للخلق، وحسن الخُلق. هـ.
﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي﴾ أي : بعض ذريتي، وهو : إسماعيل عليه السلام، أو : أسكنت ذرية من ذريتي، وهو إسماعيل ومن وُلِد منه ؛ فإن إسكانه متضمن لإسكانهم، ﴿بوادٍ غير ذي زرع﴾ يعني : وادي مكة، لأنها حجرية لا تنبت، والوادي : ما بين الجبلين، وإن لم يكن فيه ماء. ولم يقل : ولا ماء، ولعله علم بوحي أنه سيكون فيه الماء، ﴿عن بيتك المحرَّم﴾ الذي حَرَّمه على الجبابرة من التعرض له والتهاون به، أو : لم يزل محترماً تهابُه الجبابرة، أو مُنع منه الطوفان، فلم يستأصله ويمح أثره. وهذا الدعاء وقع منه أول ما قدم، ولم يكن موجوداً، فلعله قال ذلك باعتبار ما كان، أي : عند أثر بيتك المحرم، أو باعتبار ما يؤول إليه من بنائه وعمارته واحترامه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٥


الصفحة التالية
Icon