فإذا نفخت فيه ﴿فَقَعوا﴾ : فأسقطوا ﴿له ساجدين فسجد الملائكةُ﴾ حين أكمل خلقته، وأمرهم بالسجود، وقيل : اكتفى بالأمر الأول، ﴿كلُّهم أجمعون﴾، أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص، ﴿إلا إبليس أبى﴾ : امتنع ﴿أن يكون مع الساجدين﴾، قال البيضاوي : إن جُعِل الاستثناء منقطعاً اتصل به قوله :﴿أبَى﴾ ؛ أي : لكن إبليس أبَى أن يسجد، وإن جُعِل متصلاً كان قوله :﴿أبَى﴾ : استئنافاً، على أنه جواب
٣٩٦
سائل قال : هلا سجد ؟ فقال : أبى.. الخ. قلت : والأحسن : أن يقدر السؤال بعد قوله :﴿إلا إبليس أبى﴾ أي : وما شأنه ؟ فقال : أبى أن يكون مع الساجدين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٦
قال تعالى :﴿يا إبليس ما لكَ﴾ ؛ أي شيء عرض لك، ﴿ألا تكونَ مع الساجدين﴾ لآدم ؟ ﴿قال لم أكن لأسجُدَ﴾ أي : لا يصح مني، بل ينافي حالي أن أسجد ﴿لبشرٍ﴾ جسماني كثيف، وأنا روحاني لطيف، وقد ﴿خلقتَه من صلصالٍ من حمإ مسنونٍ﴾، وهو أخس العناصر، وخلقتني من نار وهي أشرفها. استنقص آدم من جهة الأصل، وغفل عن الكمالات التي خصه الله بها، منها : أنه خلقه بيديه بلا واسطة، أي : بيد القدرة والحكمة، بخلاف غيره، ومنها : أنه خصه بالعلوم التي لم توجد عند غيره من الملائكة، ومنها : أنه نفخ فيه من روحه المضافة إلى نفسه، ومنها : أنه جعله خليفة في أرضه... إلى غيره ذلك من الخواص التي تشرف بها فاستحق السجود.