الإشارة : لا ينقطع عن العبد تسلط الشيطان حتى يدخل مقام الشهود والعيان، حين يكون عبداً خالصاً لله، حراً مما سواه، وذلك حين ينخرط في سلك القوم، ويزول عنه لوث الحدوث والعدم، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وذلك بتحقيق مقام الفناء، ثم الرجوع إلى مقام البقاء. قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه : من رجع إلى البقاء أمن من الشقاء ؛ وذلك أن العبد حين يتصل بنور الله، ويصير نوراً من أنواره، يحترق به الباطل ويدمغ، فلا سبيل للأغيار عليه. ولذلك قال بعضهم : نحن قوم لا نعرف الشيطان، فقال له القائل : فكيف، وهو مذكور في كتاب الله تعالى، قال تعالى ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾ [فاطر : ٦] ؟. فقال : نحن قوم اشتغلنا بمحبة الحبيب، فكفانا عداوة العدو. وحين يتحقق العبد بهذا المقام ينخرط في سلك قوله تعالى :﴿إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل..﴾ الآية، وهذا لا ينال إلا بالخضوع لأهل النور، حتى يوصلوه إلى نور النور، فيصير قطعة من نور غريقاً في بحر النور.
٤٠١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٩
يقول الحق جل جلاله :﴿نبِّىءُ﴾ : أخبر، ﴿عبادي أني أنا الغفور الرحيم﴾ لمن آمن بي، وصدق رسلي، ﴿وأنَّ عذابي هو العذابُ الأليم﴾ لمن كفر بي، وجحد رسلي، أو بعضهم. قال البيضاوي : هي فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد، وتقرير له، وفي ذكر المغفرة دليل على أنه لم يرد بالمتقين متقى الذنوب بأسرها، كبيرها وصغيرها، وفي توصيف ذاته بالغفران والرحمة دون التعذيب ـ أي : لم يقل وأنا المعذب المؤلم ـ ترجيح الوعد. هـ.


الصفحة التالية
Icon