قلت : ومذهب مالك أنه لا ينعقد يمين بغير الله، وصفاته، وأسمائه. وقيل : إن قوله تعالى :﴿لعمركَ﴾ : هو من قول الملائكة للوط، أو لحياتك يا لوط، ﴿إنهم لَفَي سَكْرتهم يَعمهون﴾ أي : لفي غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ والصواب، يتحيرون. والغلمة : شهوة الوقاع. والعمه : الحيرة، أي : إنهم لفي عماهم يتحيرون، فكيف يسمعون نصح من نصحهم ؟ والضمائر لقوم لوط، وقيل : لقريش، والجملة : اعتراض.
قال تعالى :﴿فأخذتهم الصيحةُ﴾، يعني : صيحة هائلة مهلكة. قال ابن عطية : هذه الصيحة صيحة الرجعة، وليست كصيحة ثمود. هـ. وقيل : صاح بهم جبريل فأهلكتهم الصيحة، ﴿مُشْرِقينَ﴾ : داخلين في وقت شروق الشمس ؛ فاتبدئ هلاكهم بعد الفجر مصبحين، واستوفى هلاكهم مشرقين. ﴿فجعلنا عاليَها﴾ أي : عالي المدينة، أو قراها، ﴿سافِلَها﴾، فصارت منقلبة بهم.
رُوي أن جبريل عليه السلام اقتلعَ المدينة بجناحيه ورفعها، حتى سمعت الملائكة صراخ الديكة ونباح الكلاب، ثم قلبها وأرسل الكل فمن كان داخل المدينة أو القرى مات، ومن كان خارجاً عنها أرسلت عليه الحجارة، كما قال تعالى :﴿وأمطرنا عليهم حجارةً من سجيل﴾ : من طين متحجر مطبوخ بالنار. وقد تقدم في سورة هود مزيد بيان لهذا. ﴿إنَّ في ذلك لآيات للمتوسِّمِين﴾ : المتفكرين المعتبرين المتفرسين في الأمور، الذين يثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته، ﴿وإنَّها﴾ أي : المدينة أو
٤٠٧
القرى، ﴿لَبِسبِيلٍ مُقيم﴾ : لفي طريق ثابت يسلكه الناس، ويمرون به، ويرون آثارها. ﴿إنَّ في ذلك لآيةٌ﴾ : لعبرة ﴿للمؤمنين﴾ بالله ورسله ؛ فإنهم هم المهتدون للتفكر والاعتبار، دون من غلبت عليه الغفلة والاغترار، كحال الكفار والفجار. والله تعالى أعلم.