فاصدع، أيها العارف الواعظ يما تُؤمر ؛ من الأمر بالزهد، والانقطاع إلى الله، ولرفض كل ما يشغل عن الله، ولا تراقب أحداً في ذات الله، وأعرض عن المشركين، الذين أشركوا في محبة الله سواه، وشهدوا الأكوان موجودة مع الله، وهي ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فلا وجود لها في الحقيقة مع الله. فإن استهزؤوا بك، وصغروا أمرك، فسيكفيكهم الله. فاشتغل بالله عنهم، فلا يضيق صدرك بما فيه يخوضون. (فسبح بحمد ربك) أي : نزهه عن شهود السِّوى معه، حامداً الله على ما أولاك من نعمة توحيده. (وكن من الساجدين) لله شكراً، وقياماً برسم العبودية، أو : كن من الساجدين بقلبك في حضرة القدس، حتى يأتيك اليقين.
وفي الورتجبي، في قوله :(ولقد نعلم أنك يضيقُ صدرك)، قال : واسى الحقُّ حبيبَه بما سمع من أعدائه، وقال له : أنت بمرأىً منا، يضيق صدرك ؛ من لطافتك، بما يقول الجاهلون بنا في حقنا، مما لا يليق بتنزيهنا، فنزه أنت صفتنا مكان مقالتهم فينا، فإنَّ مثلك منزهنا لا غير، وكن من الساجدين حتى ترانا بوصف ما علمت منا، وتخرج من ضيق الصدر بما تشاهد من جمالنا، فإذا كنت تعايننا سقط عنك ضيق صدرك من جهة مقالتهم. هـ.
وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق
٤١٥
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٠