التوراث والمؤازرة بينهم وبين المسلمين. ﴿إلا تفعلُوه﴾ أي : إلا تفعلوه ما أُمرتم به من موالاة المؤمنين ونصرتهم، أو نصرة من استنصر بكم ممن لم يهاجر، ﴿تكن فتنةٌ في الأرضِ﴾ ؛ باستيلاء المشركين على المؤمنين، ﴿وفسادٌ كبير﴾ بإحلال المشركين أموال المؤمنين وفروجهم، أو : إلاّ تفعلوا ما أمرتم به من حفظ الميثاق، تكن فتنة في الأرض، فلا يفي أحد بعهد أبداً، وفساد كبير بنهب الأموال والأنفس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨
الإشارة : أهل التجريد، ظاهراً وباطناً، هم الذين آمنوا وهاجروا حظوظهم، وجاهدوا نفوسهم بسيوف المخالفة وآوَوا من نزل أو التجأ إليهم من إخوانهم أو غيرهم، أو آووا أشياخهم وقاموا بأمورهم، ونصروا الدين بالتذكير والإرشاد والدلالة على الله، أينما حلوا من البلاد، أولئك بعضهم أولياء بعض في العلوم والأسرار، وكذلك في الأموال. فقد قال بعض الصوفية :(الفقراء : لا رزق مقسوم، ولا سر مكتوم). وهذا في حق أهل الصفاء من المتحابين في الله.
والذين آمنوا ولم يهاجروا هم أهل الأسباب من المنتسبين، فقد نهى الله عن موالاتهم في علوم الأسرار وغوامض التوحيد ؛ لأنهم لا يطيقون ذلك ؛ لشغل فكرتهم الأسباب أو بالعلوم الرسمية، نعم، إن وقعوا في شبهة أو حيرة، وجب نصرهم بما يزيل إشكالهم، لئلا تقع بهم فتنة أو فساد كبير في اعتقادهم. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨
قال البيضاوي : لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام، ـ أي : مهاجرين، وأنصار، ومن آمن ولم يهاجر ـ بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم، بتحصيل مقتضاه من الهجرة، والجهاد، وبذل المال، ونصرة الحق، ووعد لهم الوعد الكريم، فقال :﴿لهم مغفرة ورزق كريم﴾ ؛ لا تبعة له، ولا فتنة فيه. ثم ألحق بهم في الأمرين من يلتحق بهم ويتسم بسمتهم فقال :


الصفحة التالية
Icon