اشْتَروا بآيات الله} أي : استبدلوا بها ﴿ثمناً قليلاً﴾ أي : عرضاً يسيراً، وهو اتباع الأهواء والشهوات، ﴿فصدُّوا عن سبيله﴾ ؛ دينه المُوصل إليه، أو بيته بصد الحجاج عنه. ﴿إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾ أيْ : قبح عملهم هذا، أو ساء ما كانوا يعملون من كونهم ﴿لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة﴾ ؛ فيكون تفسيراً لعملهم السوء، لا تكريراً. وقيل : الأول في الناقضين العهد، وهذا خاص بالذين اشتروا، وهم اليهود، أو الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطمعهم.
وقوله تعالى ؛ ﴿في مؤمن﴾ : فيه إشارة إلى أن عداوتهم إنما هي لأجل الإيمان فقط، وقوله أولاً :﴿فيكم﴾، كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت بينهم، فزال هذا الاحتمال بقوله :﴿في مؤمن﴾. قاله ابن عطية :
﴿وأولئك هم المعتدون﴾ في الشرارة والقبح. ﴿فإن تابوا﴾ عن الكفر، ﴿وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين﴾ ؛ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، ﴿ونفصّلُ الآيات لقوم يعلمون﴾، حث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين وخصال التائبين. قاله البيضاوي.
الإشارة : لا ينبغي للخواص أن يثقوا بمحبة العوام، ولا يغتروا بما يسمعون من عهودهم، فإن محبتهم على الحروف، مهما رأوا خلاف ما أملوا من حروفهم، وأطماعهم، نكثوا وأدبروا، فللعارف غِنّى بالله عنهم. وفي ذلك يقول سيدنا علي ـ كرم الله وجهه ـ :
٥٧
مَا الفَخْرُ إِلاَّ لأَهْلِ العِلْمِ، إِنَّهُمُ
عَلَى الهُدَى لمن اسْتَهْدَى أدلاَّءُ
وَقَدْرُ كل امرئ مَا كَانَ يُحسنهُ
والجَاهِلُون لأَهْلِ العلْمٍ أَعْدَاءُ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦