الإشارة : إفراد المحبة لله ولأولياء الله من أعظم القربات إلى الله، وأقرب الأمور الموصلة إلى حضرة الله، والالتفات إلى أهل الغفلة ؛ بالصحبة والمودة، من أعظم الآفات والأسباب المبعدة عن اللهِ، والعياذ بالله. وفي الحديث :" المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيله " و " المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ " و " مَنْ أَحَبْ قَوْماً حُشِرَ مَعَهم " إلى غير ذلك من الآثار في هذا المعنى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٩
يقول الحق جل جلاله :﴿ما كان للمشركين﴾ أي : ما صح لهم ﴿أن يعمرُوا مساجدَ الله﴾ أي : شيئاً من المساجد، فضلاً عن المسجد الحرام، وقيل : هو المراد، وإنما جمع ؛ لأنه قبلة المساجد وإمامها، فأمره كأمرها، ويدل عليه قراءة من قرأ بالتوحيد، أي : ليس لهم ذلك، وإن كانوا قد عمروه تغلباً وظلماً، حال كونهم ﴿شاهدين على أنفسهم بالكفر﴾ ؛ بإظهار الشرك وتكذيب الرسول، أي : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متباينين : عمارة بيت الله، وعبادة غير الله، ﴿أولئك حَبِطَتْ أعمالُهم﴾ في الدنيا والآخرة ؛ لما قارنها من الشرك والافتخار بها، ﴿وفي النار هم خالدون﴾ ؛ لأجل كفرهم.
﴿إنما يَعْمُرُ مساجدَ الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة﴾، أي :
٦٠
إنما تستقيم عمارتها بهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها : تزيينها بالفرش، وتنويرها بالسرج، وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها، وصيانتها مما لم تبن له ؛ كحديث الدنيا.


الصفحة التالية
Icon