يقول الحق جل جلاله : في تذكيرهم بالنعم :﴿لقد نصَركُم اللَّهُ في مواطنَ كثيرةٍ﴾ أي : في مواقف الحرب ومداحضها في مواضع كثيرة، ﴿و﴾ نصركم أيضاً ﴿يومَ حُنينٍ﴾، وهي غزوة كانت بعد فتح مكة، متصلة بها، في موضع يقال له : حنين، سمي باسم رجل كان يسكنه، وهو وادٍ بين مكة والطائف، حارب فيه رسول الله ﷺ والمسلمون، وكانوا اثنى عشر ألفاً : عشرة آلاف من الذين حضروا فتح مكة، وألفان انضموا إليهم من الطلقاء، قاتلوا هوازن وثقيف ومن انضم إليهم من قبائل العرب. وكانوا ثلاثين ألفاً، فلما التقوا مع
٦٤
بعض المشركين قال بعض المسلمين : لن نُغلَبَ اليوم من قلة، إعجاباً بكثرتهم، واقتتلوا قتالاً شديداً، فأدرك المسلمين إعجابهم، واعتمادهم على كثرتهم، فانهزموا حتى وصل جُلهم إلى مكة، وبقي رسول الله ﷺ في مركزه، ليس معه إلا عمه العباس، آخذاً بلجامه، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث، وناهيك شهادة على تناهي شجاعته ﷺ، فقال العباس ـ وكان صيِّتاً ـ : صِحْ بالناس، فنادى : يا عباد الله، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فكروا عنقاً واحداً، يقولون : لبيك لبيك، ونزلت الملائكة، فالتقوا مع المشركين، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" هذا حين حَمِي الوَطيس "، ثم أخذ كفاً من تراب فرماهم، وقال :" شاهت الوجوه "، ثم قال :" انهزموا وربِّ الكعبة "، فانهزموا.