﴿يريدون أن يُطفئوا﴾ أي : يُخمدوا ﴿نورَ الله﴾ ؛ القرآن أو الإسلام بجملته، ﴿بأفواههم﴾ كقولهم فيه : سحر، وشعر، وغير ذلك، وفيه إشارة إلى ضعف حيلتهم فيما أرادوا، ﴿ويأبى اللَّهُ﴾ ؛ لا يرضى ﴿إلا أن يُتِمَ نوره﴾ بإعلاء التوحيد وإظهار الإسلام، وإعزاز القرآن وأهله، ﴿ولو كره الكافرون﴾ ذلك، فإن الله لا محالة يُتم نوره، ويظهر دينه. ﴿هو الذي أرسلَ رسولهُ﴾ محمداً ﷺ ﴿بالهدى ودين الحق ليُظهرَهُ على الدين كله﴾، الضمير في " يُظهره ". للدين الحق، أو للرسول صلى الله عليه وسلم. واللام في " الدين ". للجنس، أي : على سائر الأديان فينسخها، أو على أهلها فيخذلهم، وقد أنجز وعده، وأظهر دينه ورسوله على الأديان كلها، حتى عم المشارق والمغارب، ﴿ولو كَرِهَ المشركون﴾ ذلك الإظهار، فيظهره الله رغماً من أنفهم. وقيل : يتحقق ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، حتى لا يبقى دين إلا دين الإسلام، والله تعالى أعلم.
الإشارة : من انطمس نور بصيرته نسب لله ما لا يليق بكمالاته، ومن لم تنهضه سوابق العناية وقف مع الوسائط ولم ينفذ إلى شهود الوسائط، وقد عيَّر الله قوماً وقفوا مع الوسائط فقال :﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله﴾، وقال، في شأن الواسطة العظمى ؛ غيرةً على القلوب أن تقف مع غيره :﴿ليسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيء﴾ [آل عمران : ١٢٨]، ﴿إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ﴾ [هود : ١٢]، ودخل بعض العارفين على إنسان وهو يبكي، فقال :
٧٠
وما يبكيك ؟ فقال له : مات أستاذي، فقال له ذلك العارف : ولم جعلت أستاذك من يموت ؟.
فالوسائط ؛ كالأنبياء والأولياء، إنما هم مُوَصِّلونَ إلى الله، دالون عليه، فمن وقف معهم ولم ينفذ إلى الله فقد اتخذه رباً عند الخواص.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٩