الإشارة : ينبغي للإنسان أن يكون داعيًا بلسانه، مفوضًا لله في قلبه، لا يعقد على شيء من الحظوظ والمآرب، فقد يدعو بالخير في زعمه، وهو شر في نفس الأمر في حقه، وقد يدعو بالشر وهو خير. وقد تأْتيه المضار من حيث يرتقب المسار، وقد تأتيه المسار من حيث يخاف الضرر ؛ ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾. فالتأني والسكون من علامة العقل، والشَّرَّةُ والعَجَلَة من علامة الحمق. فما كان من قسمتك لا بدّ يأتيك في وقته المقدر له، وما ليس من قسمتك لا يأتيك، ولو حرصت كل الحرص. فكل شيء سبق تفصيله وتقديره، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٨٠
٨١
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿مَن اهتدى﴾ وآمن بالله وبما جاءت به الرسل ﴿فإِنما يهتدي لنفسه﴾ ؛ لأن ثواب اهتدائه له، لا يُنجي اهتداؤه غيره، ﴿ومن ضلَّ﴾ عن طريق الله ﴿فإِنما يضلُّ عليها﴾ ؛ لأن إثم إضلاله على نفسه، لا يضر به غيره في الآخرة، ﴿ولا تزر﴾ أي : لا تحمل نفس ﴿وازرةٌ﴾ ؛ آثمة ﴿وِزرَ﴾ نفس ﴿أخرى﴾ أي : ذنوب نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها، إلا من كان إمامًا في الضلالة، فيحمل وزره ووزر مَن تبعه، على ما يأتي في آية أخرى :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت : ١٣].
ومن كمال عدله تعالى : أنه لا يُعذِّب حتى يُنذر ويُعذر على ألسنة الرسل، كما قال تعالى :﴿وما كنا مُعذبين﴾ أحدًا في الدنيا ولا في الآخرة ﴿حتى نبعث رسولاً﴾ يُبين الحجج ويمهد الشرائع، ويلزمهم الحجة.


الصفحة التالية
Icon