قال شيخ شيوخنا ؛ سيدي عبد الرحمن العارف : وربما يدل للعموم تسبيح الحصى في يده - عليه الصلاة والسلام -، وكذا حنين الجذع ومحبة أُحد، وكذا تسبيح الطعام. وأما التخصيص بالناميات ؛ من نبات غير يابس، وحجر متصل بموضعه، فهو خصوص تسبيح بالاستمداد إلى الحياة، ولا ينتفي مطلق الاستمداد ؛ لأن الجماد يستمد الوجود وبقاءه من الله، فهو عام، وقد قال تعالى :﴿ياجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سَبَأ : ١٠]، وتدبر حنين الجذع. هـ. وسيأتي في الإشارة بقية كلام عليه، وقال البيضاوي أيضًا في قوله :﴿ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ أيها المشركون ؛ لإخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم التسبيح. ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك من اللفظ والدلالة ؛ لإسناده إلى ما يتصور منه
٩٦
اللفظ، وإلى ما لا يتصور منه، وعليهما، أي : ويحمل - عند من جوز إطلاق اللفظ على معنييه. هـ.
﴿إِنه كان حليمًا﴾ ؛ حيث لم يُعاجلكم بالعقوبة، مع ما أنتم عليه من موجباتها ؛ من الإعراض عن النظر في الدلائل الواضحة، الدالة على التوحيد، والانهماك في الكفر والإشراك، ﴿غفورًا﴾ لمن تاب منكم. وبالله التوفيق.
الإشارة : كل ما دخل عالم التكوين من العرش إلى الفرش، أو ما قُدر وجوده من غيرهما ؛ كله قائم بين حس ومعنى، بين عبودية وربوبية، بين قدرة وحكمة. فالحس محل العبودية، فيه تظهر قهرية الربوبية، والمعنى هو أسرار الربوبية القائمة بالأشياء، فالأشياء كلها تنادي بلسان معناها، وتقول : سبحانه ما أعظم شأنه، ولكن لا يفقه هذا التسبيح إلا من خاض بحار التوحيد، وغاص في أسرار التفريد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥


الصفحة التالية
Icon