﴿مأواهم جهنم﴾ ؛ هي مسكنهم، ﴿كلما خَبَتْ﴾ ؛ خمدت ﴿زدناهم سعيرًا﴾ ؛ توقدًا، أي : كلما سكن لهبها، وأكلت جلودهم ولحومهم، ولم يبق فيهم ما تتعلق به النار وتحرقه، زدناهم توقدًا ؛ بأن بدلناهم جلودًا غيرها فعادت ملتهبة ومسعرة. ولعل ذلك عقوبة على إنكارهم البعث مرة بعد مرة، ليروها عيانًا، حيث لم يعلموها برهانًا، كما يُفصح عنه قوله :﴿ذلك﴾ أي ذلك العذاب ﴿جزاؤهم بأنهم﴾ ؛ بسبب أنهم ﴿كفروا بآياتنا﴾ العقلية والنقلية، الدالة على وقوع الإعادة دلالة واضحة. ﴿وقالوا﴾ ؛ منكرين البعث أشد الإنكار :﴿أئذا كُنَّا عظامًا ورُفاتًا أَئِنا لمبعوثون خَلقًا جديدًا﴾ أي : أنوجدُ خلقًا جديدًا بعد أن صِرنا ترابًا ؟ و " خلقًا " : إما مصدر مؤكد من غير لفظه، أي : لمبعوثون مبعثًا جديدًا، أو حال، أي : مخلوقين مستأنفين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٧
الإشارة : من يهده الله إلى صريح المعرفة وسر الخصوصية فهو المهتد إليها، يهديه أولاً إلى صحبة أهلها، فإذا تربى وتهذب أشرقت عليه أنوارها. ومن يُضلله عنها، فلا ينظر ولا يهتدي إلى صحبة أهلها، فيُحشر يوم القيامة محجوبًا عن الله، كما عاش محجوبًا. يموت المرء على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه، لا يُبصر أسرار الذات في مظاهر النعيم، ولا ينطق بالمكالمة مع الرحمن الرحيم، ولا يسمع مكالمة الحق مع المقربين ؛ وذلك بسبب إنكاره لأهل التربية في زمانه، وقال : لا يمكن أن يبعث الله من يحيي الأرواح الميتة بالجهل ؛ بالمعرفة الكاملة. وفيه إنكار لعموم القدرة الأزلية، وتحجير على الحق. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٧
١٢٨
قلت :﴿وجعل﴾ : عطف على " قادر " ؛ لأنه في قوة قدر، أو استئناف. و ﴿لو أنتم﴾ : الضمير : فاعل بفعل يفسره ما بعده، كقول حاتم :
لَوْ ذَاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْني


الصفحة التالية
Icon