قلت : الحاصل : أنا إذا حملنا القيام على الحسي ففيه دليل لأهل البداية على القيام في الذكر والسماع. وإذا حملناه على القيام المعنوي، وهو النهوض في الشيء، أو الاستقامة عليه كان فيه دلالة لأهل النهاية على السكون وعدم التحرك، وكأنه يشير إلى قضية الجنيد في بدايته ونهايته. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
وقال ابن لب : قد اشتهر الخلاف بين العلماء في القيام لذكر الله - تعالى - وقد أباحته الصوفية، وفعلته ودامت عليه، واستفادوه من كتاب الله تعالى من قوله - عزّ وجلّ - في أصحاب الكهف :﴿إِذ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السماوات والأرض﴾، وإن كانت الآية لها محامل أخرى سوى هذا. هـ. قلت : وقوله تعالى :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً﴾ [آل عمران : ١٩١] : صريح في الجواز.
وقال في القوت : وقد روينا أنه ﷺ مرَّ برجل يظهر التأوه والوجد، فقال مَنْ كان معه : أتراه يا رسولَ الله مُرائيًا ؟ فقال :" لا، بل أوّاه منيب "، وقال لآخر : أظهر صوته بالآية :" أِسْمِع الله عزَّ وجّل ولا تُسَمِّع "، فأنكر عليه بما شهد فيه، ولم ينكر على أبي موسى قوله :(لو علمتُ أنك تَسمع لحبَّرته لك تحبيرًا) ؛ لأنه ذو نية في الخير وحسن قصد به، ولذا كل من كان له حسن قصد، ونية خير، في إظهار عمل، فليس من السمعة والرياء في شيء ؛ لتجرده من الآفة الدنيوية، وهي الطمع والمدح. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣