﴿وقل عسى أن يَهْديَنِ ربي﴾ : يوفقني ﴿لأقربَ من هذا﴾ أي : لنبأ أقرب وأظهر من نبأ أصحاب الكهف، من الآيات والدلائل الدالة على نبوتي، ﴿رَشَدًا﴾ أي : إرشادًا للناس ودلالة على ذلك. وقد فعل عزّ وجلّ ذلك ؛ حيث آتاه من البينات ما هو أعظم وأبين لقصص الأنبياء، المتباعدة أيامهم، والإخبار بالغيوب والحوادث النازلة في الأعمار المستقبلة إلى قيام الساعة. أو : لأقرب رشدًا وأدنى خيرًا من المَنْسِي، أي : عسى أن يدلني على ما هو أصلح لي من الذي نسيته ؛ إذ يجوز أن يكون نسيانه خيرًا له من ذكره ؛ إذ فيه إظهار قهريته تعالى، وغناه عن خلقه، وعدم مبالاته بإدبار من أدبر وإقبال من أقبل، أو : الطريق الأقرب من هذا الذي هدى إليه أهل الكهف ؛ رشدًا وصوابًا، وقد فعل ذلك حيث هداه إلى الدين القيِّم الذي أظهره على الأديان كلها، ولو كره المشركون.
﴿ولَبِثُوا في كهفهم﴾ ؛ أحياءً، مضروبًا على آذانهم، ﴿ثلاث مائةٍ سنينَ وازدادوا تسعًا﴾، رُوي عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال : عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية، والله تعالى ذكر السنة القمرية، والتفاوت بينهما في كل مائة ثلاثُ سنين، فيكون ثلاث مائة سنة وتسع سنين. هـ. ﴿قُلِ الله أعلم بما لَبِثُوا﴾ أي : الزمان الذي لبثوا فيه. ﴿له غيبُ السماوات والأرض﴾ أي : ما غاب فيهما، وخفي من أحوال أهلها، ﴿أبصِرْ به وأسمعْ﴾ أي : ما أسمعه وما أبصره. دل بصيغة التعجب على أن سمعه تعالى وبصره خارج عما عليه إدراك المدركين ؛ لأنه تعالى لا يحجبه شيء، ولا يحول دونه حائل، ولا يتفاوت بالنسبة إليه اللطيف والكثيف، والصغير والكبير، والخفي والجلي. والتعجب في حقه تعالى مجاز ؛ لأنه إنما يكون مما خفي سببه، ولأنه دهشة وروعة تلحق المتعجب عند معاينة ما لم يعتَدْه، وهو تعالى منزَّه عن ذلك، فيُؤَوَّل بأنه مبالغة في إحاطة سمعه وبصره بكل شيء، كما تقدم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٢