﴿ووضع الكتاب﴾ أي : كتاب كل أحد، إما في يمينه أو شماله، وهو عطف على :﴿عُرِضوا﴾، داخلٌ تحت الأمور الهائلة التي أريد بذكرها تذكير وقتها، وأورد فيه ما أورد في أمثاله من صيغة الماضي ؛ لتحقق وقوعه، وإيثار الإفراد ؛ للاكتفاء بالجنس، والمراد : صحائف أعمال العباد. ووضعها إما في أيدي أصحابها يمينًا وشمالاً، أو في الميزان. ﴿فترى المجرمين﴾ قاطبة، المنكرون للبعث وغيرهم، ﴿مشفقين﴾ : خائفين ﴿مما فيه﴾ من الجرائم والذنوب، ﴿ويقولون﴾، عند وقوفهم على ما في تضاعيفه ؛ نقيرًا أو قطميرًا :﴿يا ويلتنا﴾ أي : ينادون بتهلكتهم التي هُلكوها من بين التهلكات، ومستدعين لها ؛ ليهلكوا، ولا يرون تلك الأهوال، أي : يا ويلتنا احضري ؛ فهذا أوان حضورك، يقولون :﴿ما لهذا الكتاب لا يُغادرُ﴾ : لا يترك ﴿صغيرةً ولا كبيرةً﴾ من ذنوبنا ﴿إلا أحصاها﴾ أي : حواها وضبطها، وجملة ﴿لا يغادر﴾ : حال محققة ؛ لِمَا في الاستفهام من التعجب، أو استئنافية مبنية على سؤال مقدر، كأنه قيل : ما شأنه حتى يتعجب منه ؟ فقال : لا يغادر سيئة صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، ﴿ووجدوا ما عملوا﴾ في الدنيا من السيئات، أو جزاء ما عملوا ﴿حاضرًا﴾ : مسطورًا عتيدًا، ﴿ولا يظلم ربُّك أحدًا﴾، فيكتب ما لم يعمل من السيئات، أو يزيد في عقابه المستحق له. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ويوم نُسير جبال الحس، أو الوهم، عن بساط المعاني، وترى أرض العظمة بارزة ظاهرة لا تخفى على أحد، إلا على أَكْمَهَ لا يُبصر القمر في حال كماله، وحشرناهم إلى الحضرة القدسية، فلم نغادر منهم، أي : ممن ذهب عنه الحس والوهم، أحدًا، وعُرضوا على ربك ؛ لشهود أنوار جماله وجلاله، صفًا، للقيام بين يديه، فيقول
١٦٨


الصفحة التالية
Icon