قلت : الظاهر إبقاء الأنفس على ظاهرها، أي : ما أحضرتهم خلق أنفسهم، أي : ما كانوا حاضرين حين خلقت أنفسهم، بل هم مُحْدَثُونَ في غاية العجز والجهل، فكيف تتخذونهم أولياء من دوني ؟ وفي الآية رد على المنجِّمين الذين يخوضون في أسرار غيب السماوات بالتخمين، وعلى الطبائعيين من الأطباء ومن سواهم، من كل متخوض في هذه الأشياء، وعلى الكُهَّان وكل من يتطلع على الغيب بطريق الحدس، والمصدقين لهم. انظر ابن عطية.
قال تعالى :﴿وما كنت مُتَّخِذَ المضلِّينِ﴾ من الشياطين ﴿عَضُدًا﴾ أي : أعوانًا في شأن الخلق، أو في شأن من شؤوني، حتى تتخذوهم أولياء وتُشركوهم في عبادتي، وكان الأصل أن يقول : وما كنت متخذهم، فوقع المظهر موقع الضمير ؛ ذمًا لهم، وتسجيلاًً عليهم بالإضلال، وتأكيدًا لما سبق من إنكار اتخاذهم أولياء، وفيه تهكم بهم وإيذان بكمال ركاكة عقولهم وسخافة آرائهم ؛ حيث لا يفهمون هذا الأمر الجلي الذي لا يكاد يشتبه على أبلدِ الصبيان، فيحتاجون إلى التصريح به. انظر أبا السعود.
الإشارة : في الآية تنفيرٌ من الاستكبار والترفع على عباد الله تشبهًا بإبليس، وحثٌ على التواضع والخضوع لله في خلقه وتجلياته كيفما كانت، وفيها أيضًا الحض على إفراد الوجهة والمحبة لله، والتبري من كل ما سواه مما يشغل عن الله، وفيها أيضًا : النهي عن التطلع إلى ما لم يَرِدْ به من أسرار القدر نصٌ صريح في كتاب الله ولا في سنة رسول الله من أسرار القدر، وفيها أيضًا : النهي عن الاستعانة بأعداء الله في شأن كان. وبالله التوفيق.
١٧٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
قلت :﴿موبقًا﴾ : اسم مكان، أو مصدر، من : وَبَقَ وبوقًا، كوثب وثوبًا، ووَبِقَ وبَقًا، كفرح فرحًا.


الصفحة التالية
Icon