﴿ومَن أظلمُ ممّن ذُكِّرَ بآياتِ ربه﴾ وهو القرآن العظيم، ﴿فأعْرَضَ عنها﴾ ؛ فلم يتدبرها ولم يؤمن بها، أي : لا أحد أظلم منه ؛ لأنه أظلم من كل ظالم ؛ حيث ضم إلى المجادلة التكذيب والإعراضَ، ﴿ونَسِيَ ما قدمت يداه﴾ من الكفر والمعاصي، ولم يتفكر في عاقبتها، ﴿إِنا جعلنا على قلوبهم أكِنَّةً﴾ : أغطية كثيرة تمنعهم من التدبر في الآيات، وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم، فعل ذلك بهم كراهة ﴿أن يفقهوه﴾، أو : منعناهم أن يقفوا على كنهه. ﴿و﴾ جعلنا ﴿في آذانهم وَقْرًا﴾ أي : ثِقلاً يمنعهم من استماعه، ﴿وإِن تَدْعُهُمْ إِلى الهدى فلن يهتدوا إِذًا أبدًا﴾ أي : فلن يكون منهم اهتداء الْبتةَ مدة التكليف ؛ للطبع المتقدم على قلوبهم، وهذا في قوم مخصوصين سبق لهم الشقاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧١
و " إذًا " : حرف جزاء وجواب، وهو، هنا، عن سؤال من النبي ﷺ المدلول عليه بكمال عنايته بإسلامهم، كأنه قال ﷺ :" ما لي لا أدعوهم " ؟ فقال : إن تدعهم... الخ. وجمع الضمير الراجع إلى الموصول في هذه المواضع الخمسة باعتبار معناه، كما أن إفراده في المواطن الخمسة المتقدمة باعتبار اللفظ.
﴿وربُّك الغفور﴾ : البليغ المغفرة ﴿ذو الرحمة﴾ الموصوف بها، ﴿لو يُؤاخذهم بما كسبوا﴾ من المعاصي، التي من جملتها : ما حكي عنهم من مجادلتهم بالباطل، وإعراضهم عن آيات ربهم، وعدم مبالاتهم بما اجترحوا من الموبقات، ﴿لعجَّلَ لهم العذابَ﴾ قبل يوم القيامة ؛ لاستجلاب أعمالهم لذلك، والمراد : إمهال قريش، مع
١٧٣
إفراطهم في عداوة رسول الله ﷺ، ﴿بل لهم موعدٌ﴾ وهو يوم القيامة، أو يوم بدر، والمعطوف عليه ببل : محذوف، أي : لكنهم ليسوا بمؤاخذين، ﴿بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلاً﴾ أي : ملجأ يلتجئون إليه، أو مَنْجىً ينجون به، يقال : وأَلَ : أي : نجا، ووأل إليه : أي : التجأ إليه.


الصفحة التالية
Icon