وسب هذا السفر : أن موسى عليه السلام لما ظهر على مصر، بعد هلاك القبط، أمره الله تعالى أن يُذّكر قومه هذه النعمة، فقام فيهم خطيبًا بخطبة بليغة، رقَّت بها القلوب، وذرفت منها العيون، فقالوا له : من أعلم الناس ؟ فقال : أنا. وفي رواية : هل تعلم أحدًا أعلم منك ؟ فقال : لا. فعَتَب الله عليه ؛ إذ لم يَرُدَّ العلم إليه عزّ وجلّ، فأوحى الله إليه :" أعلم منك عبدٌ لي بمجمع البحرين، وهو الخضر "، وكان قبل موسى عليه السلام، وكان في مُقَدَّمَةِ ذي القرنين، فبقي إلى زمن موسى عليه السلام، وسيأتي ذكر التعريف به في محله، إن شاء الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٤
وقال ابن عباس رضي الله عنه : إن موسى عليه السلام سأل ربه : أيُّ عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني، قال : فأي عبادك أقضى ؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال : فأي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يستقي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمةً تدله على هدى، أو ترده عن ردى، قال : يا رب إن كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه ؟ قال : أعلم منك الخضر، قال : أين أطلبه ؟ قال : على ساحل البحر عند الصخرة. قال : يا رب، كيف لي به ؟ قال : خُذ حُوتًا في مِكْتَلٍ، فحيثما فقدتَه فهو هناك، فأخذ حُوتًا مشويًا، فجعله في مِكْتَلٍ، فقال لفتاه : إذا فقدتَّ الحوت فأخبرني، وذهبا يمشيان إلى أن اتصلا بالخضر، على ما يأتي تمامه، إن شاء الله
١٧٥
تعالى. وحديث الخطبة هو الذي في صحيح البخاري وغيره. والله تعالى أعلم أيُّ ذلك كان.


الصفحة التالية
Icon