وقال القشيري : وَعَدَ من نفسه شيئين : الصبر، وألاَّ يعصيه فيما يأمره به. فأما الصبر فَقَرنَه بالمشيئة، حتى وجده صابرًا، فلم يقبضْ على يدي الخضر فيما كان منه من الفعل. والثاني قال :﴿ولا أعصي لك أمراً﴾، فأطلق ولم يستثن، فعصى، حيث قال له الخضر :﴿فلا تسألني عن شيء﴾، فكان يسأله، فبالاستثناء لم يخالف، وبالإطلاق خالف. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : وفيه نظر ؛ للحديث
١٨٠
الصحيح :" يرحم الله موسى، لو صبر... " مع أن قوله :" ولا أعصي... " الخ، غير خارج عن الاستثناء، كما تقدم، وإن احتمل خروجه، والظاهر : أن الاستثناء، كالدعاء، إنما ينفع إذا صادف القدر، وهو هنا لم يصادف، مع أنه هنا عارضه علم الخضر بكونه لم يصبر من قوله :﴿لن تستطيع معي صبرًا﴾، وقد أراد الله نفوذ علم الخضر. هـ.
وقال ابن البنا : أن العهد إنما هو على قدر الاستطاعة، وإن الوفاء بالملتزم إنما يكون فيما لا يخالف الشرع، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؛ لأن موسى عليه السلام لم يلتزم إلا ذلك. ولمّا رأى ما هو محرم تكلم... فافهم. هـ.
ثم شرط عليه التسليم لِمَا يرى، فقال :﴿فإِن اتبعتني فلا تسالني عن شيء﴾ تشاهده من أفعالي، فهمْتَه أم لا، أي : لا تفاتحني بالسؤال عن حكمته، فضلاً عن مناقشته واعتراضه، ﴿حتى أُحْدِثَ لك منه ذكرًا﴾ ؛ حتى أبتدي بيانه لك وحكمته، وفيه إيذان بأن ما يصدر منه له حكمة خفية، وعاقبة صالحة. وهذا من أدب المتعلم مع العالم، والتابع مع المتبوع، أنه لا يعترض على شيخه بل يسأل ؛ مُسترشدًا بملاطفةٍ وأدب، وهذا في العلم الظاهر. وسيأتي في الإشارة ما يتعلق بعلم الباطن.


الصفحة التالية
Icon