لإرادته سبحانه، وَوُجوب الاحتراز عن المناقشة فيما برز من القدرة في الأمور المذكورة وغيرها. أراد ﴿أن يبلغا أشُدَّهما﴾ : حُلُمَهُمَا وكمالَ رأيِهِمَا، ﴿ويستخرجا كنزهما﴾ من تحت الجدار، ولولا أني أقمته لانقض، وخرج الكنز من تحته، قبل اقتدارهما على حفظ المال وتنميته، وضاع بالكلية ؛ ﴿رحمةً من ربك﴾ مصدر في موضع الحال، أي : يستخرجا كنزهما مَرْحُومَيْنِ به من الله تعالى. أو : يتعلق بمضمر، أي : فعلت ما فعلت من الأمور التي شاهدتها، ﴿رحمة من ربك﴾ ؛ بمن فُعل له أو به.
وقد استعمل الخضر عليه السلام غاية الأدب في هذه المخاطبة ؛ فنسب ما كان عيبًا لنفسه، وما كان ممتزجًا له ولله تعالى ؛ فإن القتل بلا سبب ظاهرهُ عيبٌ، وإبداله بخير منه خير، فأتى بضمير المشاركة، وما كان كمالاً محضًا، وهو إقامة الجدار، نسبه لله تعالى.
ثم قال :﴿وما فعلته﴾ أي : ما رَأَيْتَ من الخوارق ﴿عن أمري﴾ أي : عن رأيي واجتهادي، بل بوحي إلهي مَلَكي، أو إلهامي، على اختلافٍ في نبوته أو ولايته، ﴿ذلك﴾ أي : ما تقدم ذكره من التأويلات، ﴿تأويلُ﴾ أي : مآل وعاقبة ﴿ما لم تَسْطِع عليه صبرًا﴾ أي : تفسير ما لم تستطع عليه صبرًا، فحذف التاء ؛ تخفيفًا، وهو فذلكة لِمَا تقدم، وفي جعل الصلة غير ما مرَّ تكرير للتنكير عليه وتشديد للعتاب. قيل : كل ما أنكر سيدنا موسى عليه السلام على الخضر قد جرى له مثله، ففي هذه الأمثلة حجة عليه، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة، نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت مطروح في اليم ؟ فلما أنكر قتل الغلام وقيل له : أين إنكارك من وكْزك القبطي وقضائك عليه ؟ فلما أنكر إقامة الجدار، نودي : أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجر ؟ والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٥


الصفحة التالية
Icon