يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إِن الذين آمنوا﴾ بآيات ربهم ولقائه، ﴿وعملوا﴾ الأعمال ﴿الصالحات كانت لهم﴾ ؛ فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده، ﴿جنَّاتُ الفردوسِ﴾، وهي أعلى الجنان. وعن كعب : أنه ليس في الجنة أعلى من جنة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أي : أهل الوعظ والتذكير من العارفين. وعن رسول الله ﷺ أنه قال :" في الجَنَِّ مِائَةُ دَرَجَةٍ، ما بَيْنَ كُل دَرَجتين كما بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْض، أَعلاها الفِرْدَوس، ومِنْها تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجنَّةِ، فَوْقَها عَرْشُ الرحمن، فإذَا سَأَلْتُمُ اللهُ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ " وقال أيضًا ﷺ :" جنان الفردوس أربع : جنتان من فِضَّةٍ، أبنيتهما وآنيتُهُما، وجنَّتان من ذهب، أبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظُرُوا إلى ربهمْ إلا رِدَاءُ الكبْرياءِ على وَجْهِه " وقال قتادة : الفردوس : ربوة الجنة. وقال أبو أمامة : هي سرة الجنة. وقال مجاهد : الفردوس : البستان بالرومية. وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة الأشجار.
٢٠٣
كانت لهم ﴿نُزُلاً﴾ أي : مقدمة لهم عند ورودهم عليه، على حذف مضاف، أي : كانت لهم ثمار جنة الفردوس نُزلاً، أو جعلنا نفس الجنة نُزلاً، مبالغةً في الإكرام، وفيه إيذان بأن ما أعدَّ الله لهم على ما نطق به الوحي على لسان النبوة بقوله :" أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر " هو بمنزلة النُزُل بالنسبة إلى الضيافة وما بعدها، وإن جُعِلَ النُزل بمعنى المنزل ؛ فظاهر. ﴿خالدين فيَبْغُون عنها حِوَلاً﴾ أي : لا يطلبون تحولاً عنها ؛ إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم، وأرفع منها، حتى تنزع إليه أنفسهم، أو تطمح نحوه أبصارهم. ونعيمهم مجدد بتجدد أنفاسهم، لا نفادَ له ولا نهاية ؛ لأنه مكون بكلمة " كن "، وهي لا تتناهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٣


الصفحة التالية
Icon