ضميرها ؛ لتشريفها وتسليتها، والإشعار بعلية الحكم ؛ فإن هبة الغلام لها من أحكام تربيتها. وقوله :﴿زكيًّا﴾ أي : طاهرًا من العيوب صالحًا، أو تزكو أحواله وتنمو في الخير، من سن الطفولية إلى الكبر.
﴿قالت أنَّى يكونُ لي غلامٌ﴾ كما وصفتَ، ﴿و﴾ الحال أنه ﴿لم يَمْسَسني بشرٌ﴾ بالنكاح، ﴿ولم أكُ بغيًا﴾ ؛ زانية فاجرة تبتغي الرجال ؟ ﴿قال﴾ لها الملك :﴿كذلك﴾ أي : الأمر كما قلتُ لك ﴿قال ربكِ هو عليَّ هيِّنٌ﴾ أي : هبة الغلام من غير أن يمسسك بشرٌ هين سهل على قدرتنا، وإن كان مستحيلاً عادة ؛ لأني لا أحتاج إلى الأسباب والوسائط، بل أمرنا بين الكاف والنون، ﴿و﴾ إنما فعلنا ذلك ﴿لنجعله آيةً للناس﴾ يستدلون به على كمال قدرتنا. والالتفات إلى نون العظمة ؛ لإظهار كمال الجلالة، ﴿و﴾ لنجعله ﴿رحمةً﴾ عظيمة كائنة ﴿منا﴾ عليهم، ليهتدوا بهدايته، ويُرشدوا بإرشاده. ﴿وكان﴾ ذلك ﴿أمرًا مقضيًا﴾ في الأزل، قد تعلق به قضاء الله وقدره، وسُطِّر في اللوح المحفوظ، فلا بُدّ من جريانه عليك، أو : كان أمرًا حقيقيًا بأن يقضى ويفعل ؛ لتضمنه حِكَمًا بالغة وأسرارًا عجيبة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٤
الإشارة : لا تظهر النتائج والأسرار إلا بعد الانتباذ عن الفجار، وعن كل ما يشغل القلب عن التذكار، أو عن الشهود والاستبصار، فإذا اعتزل مكانًا شرقيًا، أي : قريبًا من شروق الأنوار والأسرار، بحيث يكون قريبًا من أهل الأنوار، أو بإذنهم، أرسل الله إليه روحًا قدسيًا، وهو وارد رباني تحيا به روحُه وسرُه وقلبُه وقالبُه، فيهب له عِلمًا لدنيا، وسرًا ربانيًا، يكون آية لمن بعده، ورحمة لمن اقتدى به وتبعه. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٤
٢١٦
قلت :﴿رُطبًا﴾ : تمييز، فيمن أثبت التاءين، أو حذف إحداهما، ومفعول به، فيمن قرأ بتاء واحدة مع كسر القاف.


الصفحة التالية
Icon