وذلك ﴿أن دَعَوا للرحمنِ ولدًا﴾ أي : تكاد تنفطر السماوات وتنشق الأرض، وتنهدم الجبال ؛ لأجل أن دعوا، أي : نسبوا أو سموا للرحمن ولدًا، ﴿وما ينبغي للرحمنِ أن يتخِذَ ولدًا﴾ أي : قالوا اتخذ الرحمن ولدًا، أو دعوا له ولدًا، والحال أنه مما لا يليق به تعالى اتخاذ الولد ؛ لاستحالته عليه تعالى. ووضع الرحمن موضع الضمير ؛ للإشعار بعلية الحكم ؛ لأن كل ما سواه تعالى منعَّم عليه برحمته، أو نعمة من أثر الرحمة، فكيف يتصور أن يجانس من هو مبدأ النعم ومولى أصولها وفروعها، حتى يتَوهم أن يتخذه ولدًا، وقد صرح به قوله عزّ قائلاً :﴿إِن كل من في السماوات والأرض﴾ أي : ما منهم من أحد من الملائكة أو الثقلين ﴿إِلا آتي الرحمنِ عبدًا﴾ ؛ مملوكًا لله في الحال بالانقياد وقهرية العبودية. ﴿لقد أحصاهم﴾ أي : حصرهم وأحاط بهم، بحيث لا يخرج أحد من حيطة علمه، وقبضة قدرته وقهريته، ما وجد منهم وما سيوجد، وما يقدر وجوده لو وجد، كل ذلك في علمه وقضائه وقدره وتدبيره، لا خروج لشيء عنه، وفي ذلك تصوير لقيام ربوبيته على كل شيء، وأنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، ﴿وكلهم آتيه يومَ القيامةِ فردًا﴾ أي : وكل واحد منهم يأتي يوم القيامة فردًا من الأموال والأنصار والأتباع، متفردًا بعمله، فإذا كان شأنه تعالى وشأنهم كذلك فأنى يتوهم احتمال أن يتخذ شيئًا منهم ولدًا ؟ !. وفي الحديث القدسي :" قال الله تعالى : كذَّبني عبدي، ولم يكن له ذلك، وشَتمني عبدي ولم يكن له ذلك، أما تكذيبُهُ إيايَ ؛ فأن يقولَ : من يُعيدُنا كما بَدأنا ؟ وأما شَتمُه إياي ؛ فأن يقول : اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحدُ الصمدُ، لم أَلِد ولم أُولدَ، ولم يكن لي كُفوًا أحد " وهو في البخاري. وفي صيغة اسم الفاعل في قوله :﴿آتيه﴾ من الدلالة على إتيانهم كذلك ألبتة ما ليس في صيغة المضارع لو قيل يأتيه. والله تعالى أعلم.
٢٥٤


الصفحة التالية
Icon