وأتى الحقّ جلّ جلاله بالسين ؛ لأن السورة مكية، وكانوا إذ ذلك ممقوتين عند الكفرة، فوعدهم ذلك، ثم أنجزه لهم حين جاء الإسلام، فعَزوا وانتصروا، وتعشقت إليهم قلوب الخلق من كل جانب، كما هو مسطر في تواريخهم. وقيل : الموعود في القيامة، حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد كأنها أنوار الشمس الضاحية، ولعل إفراد هذا بالوعد من بين ما لهم من الكرامات السنية ؛ لأن الكفرة سيقع بينهم يومئذ تقاطع وتباغض وتضاد. والله تعالى أعلم.
٢٥٦
الإشارة : سُنَّة الله تعالى في أوليائه، في حال بدايتهم، أن يُسلط عليهم الخلق، وينزل عليهم الخمول والذل بين عباده، حتى يمقتهم أقرب الناس إليهم، رحمة بهم واعتناء بقلوبهم ؛ لئلا تسكن إلى غيره. قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا... الخ. فإذا تطهروا من البقايا وكملت فيهم المزايا، وتمكنوا من معرفة الحق، أعزهم وألقى مودتهم في قلوب عباده، هذا دأبه معهم في الغالب، وقد يحكم على بعضهم بالخمول حتى يلقاه على ذلك، ولا يكون ذلك نقصًا في حقه بل كمالاً، وهم شهداء الملكوت، لم يأخذوا من أجرهم شيئًا. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٥
قلت : الفاء لتعليل أمر ينساق إليه النظم الكريم، كأنه قيل - بعد إيحاء السورة الكريمة - : بلغ هذا المنزّل عليك، وبشر به، وأنذر ؛ فإنما يسرناه... الخ، قاله أبو السعود.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فإِنما يسرناه﴾ أي : القرآن ﴿بلسانك﴾ بأن أنزلناه على لغتك، والباء بمعنى " على " وقيل : ضَمَّنَ التيسيرَ معنى الإنزال، أي : يسرنا القرآن وأنزلناه بلغتك ﴿لتُبشّر به المتقين﴾ أي : السائرين إلى التقوى بامتثال ما فيه من الأمر والنهي، ﴿وتُنذرَ به﴾ أي : تخوف به ﴿قومًا لُدًّا﴾ لا يؤمنون به، لجاجًا وعنادًا، واللُّدُّ : جمع أَلَد، وهو الشديد الخصومة، اللجوج المعاند.