ونقل الثعلبي عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن المعنى : أكاد أخفيها عن نفسي، فكيف عن غيري ؟ وكذلك هو في مصحف أُبي، وفي مصحف عبد الله : فكيف يعلمها مخلوق، وفي بعض القراءات : وكيف أظهرها لكم ؟ قال قطرب : فإن قيل : كيف يُخفي الله تعالى عن نفسه، وهو خَلَق الأشياء ؟ قلنا : إن الله تعالى كلم العرب بكلامهم الذي يعرفونه. انظر بقية كلامه.
وظهور علاماتها لا يزيل إخفاءها. قال ابن عرفة في تفسيره : وإذا ظهرت عند وقوع الأشراط لم ينسلخ عنها معنى الخفاء المتقدم، غاية الأمر أنها بذكر الأشراط وسط بين الإخفاء والإظهار، فتكون مقاربة لكل واحد منهما. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٣
وقوله تعالى :﴿لتُجزى كُلُّ نفس بما تسعى﴾ متعلق بآتية، أو بأُخفيها - على معنى : أظهرها -، لتُجزى كل نفس بسعيها، أي : بعملها خيرًا كان أو شرًا. ﴿فلا يَصُدَّنك عنها﴾ أي : عن ذكر الساعة ومراقبتها والاستعداد لها ﴿مَن لا يؤمن بها﴾ حتى تكسَل عن التزود لها. والنهي - وإن كان بحسب الظاهر متوجهًا للكافر عن صدر موسى عليه السلام - لكنه في الحقيقة نهى له عليه السلام عن الانصداد عنها، على أبلغ وجه، فإنَّ النهي عن أسباب الشيء المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني، كقوله تعالى :﴿لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيا﴾ [هُود : ٨٩]، أي : لا تتبع في الصد عنها من لا يؤمن بها ﴿واتَّبعَ هواه﴾ أي : ما تهواه
٢٦٦
نفسه من اللذات الفانية، ﴿فَتَرْدَى﴾ : فتهلك ؛ فإنَّ الإغفال عنها، وعن تحصيل ما يُنجي من أهوالها، مستتبع للهلاك لا محالة. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon