يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قال﴾ الله تعالى لموسى عليه السلام :﴿قد أُوتيتَ سُؤْلك﴾ أي : أعطيت مسؤولك، وبلغنا لك مأمولك في كل ما طبلت منا. والإيتاء، هنا، عبارة عن تعلق الإرادة بوقوع تلك المطالب وحصولها، وإن كان وقوع بعضها مستقبلاً، ولذلك قال :﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ [القَصَص : ٣٥]، وإعادة النداء في قوله :﴿يا موسى﴾ تشريفًا له بتوجيه الخطاب بعد تشريفه بإجابة المطلب.
٢٧٣
ثم ذكَّره بنعمة أخرى قد سلفت، فقال :﴿ولقد مَنَنَّا عليك مرة أخرى﴾ قبل أن يكون منك لنا طلب، فكيف لا نجيبك بعد الطلب ؟ وتلك المنة :﴿إِذْ أوحينا إِلى أمك﴾ حين تحيرت في أمرك، وخافت عليك من عدوك، فأوحينا إليها وحي منام أو إلهام أو بملك كريم - عليهما السلام - فقلنا لها :﴿أنِ اقْذِفيه في التابوت﴾ أي : ضعيه فيه، وأغلقي عليه حتى لا يصل الماء عليه، ﴿فاقذفيه في اليمِّ﴾ أي : ألقيه في البحر بتابوته، ﴿فليُلقَه اليمُّ بالساحل﴾ أي : فسيرميه البحرُ بالساحل، ولمّا كان إلقاء البحر له بالساحل أمرًا واجب الوقوع ؛ لتعلُق الإرادة الربانية به، جعل البحر كأنه مأمور بإلقائه، ذو تمييز، مطيع، فإنْ يُلْقه ﴿يأْخُذُه عدوٌ لي وعدوٌ له﴾ وهو فرعون. ولا تخافي عليه ؛ ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القَصَص : ٧]. وتكرير عداوته والتصريح بها ؛ للإشعار بأن عداوته له، مع تحققها، لا تضره، بل تؤدي إلى محبته، لأن الأمر بما فيه الهلاك ؛ من القذف في البحر، ووقوعه في يد العدو، مشعر بأن هناك ألطافًا خفية، ومننًا كامنة مندرجة تحت قهر صوري.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣