يقول الحقّ جلّ جلاله : لسيدنا موسى عليه السلام :﴿اذهب أنت وأخوك﴾ أي : ليذهب معك أخوك ﴿بآياتي﴾ : بمعجزاتي التي أريتكَهَا، من اليد والعصا، فإنهما وإن
٢٧٦
كانتا اثنتين، لكن في كل واحدة منهما آيات، فإنَّ في انقلاب العصا حيوانًا : آية، وكونها ثعبانًا عظيمًا : آية، وسرعة حركته، مع عِظَمِ جرمه : آية، وكذلك اليد ؛ فإنَّ بياضها في نفسه آية، وشعاعها آية، ثم رجوعها إلى حالَتها الأولى آية. والباء للمصاحبة، أي : اذهبا مصحوبَيْنِ بمعجزاتنا، مستمسكَيْنِ بها، ﴿ولا تَنِيَا﴾ : لا تفترا ولا تقصرا ﴿في ذكري﴾ عند تبليغ رسالتي، ولا يشغلكما معاناة التبليغ عن ذكري، بما يليق بحالكما ؛ من ذكر لسان أو تفكر أو شهود، فلا تغيبا عن مشاهدتي باشتغالكما بأمري، حتى لا تكونا فاترين في عيني.
﴿اذهبَا إِلى فرعون إِنه طغى﴾ : تجبر وعلا. ولم يكن هارون حاضرًا وقت هذا الوحي، وإنما جمعهما ؛ تغليبًا. رُوي أنه أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى - عليهما السلام -، وقيل : سمع بإقباله فتلقاه.
﴿فقولا له قولاً لينًا﴾ ؛ لأنَّ تليين القول مما يكسر ثورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة. قال ابن عباس : أي : لا تعنفا في قولكما. وقيل : القول اللين :﴿هل لك إِلى أن تزكى...﴾ الخ، ويعارضه قوله بعد :﴿فقولا إِنا رسولا ربك﴾ وقيل : كنِّياه، وكان له ثلاثة كنى : أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة. وقيل : عِدَاه على قبول الإيمان شبابًا لا يهرم، ومُلكًا لا ينزع منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعمَ والمشرب والمنكح إلى الموت، وقيل : اللطافة في القول ؛ فإنه رباك وأحسن تربيتك، وله عليك حق الأبوة، ﴿لعله يتذكَّر﴾ بما بلغتماه من ذكر، ويرغب فيما رغبتماه فيه، ﴿أو يخشى﴾ عقابي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٦


الصفحة التالية
Icon