﴿إِن في ذلك﴾ المذكور، من شؤونه تعالى، وأفعاله وأنعامه، ﴿لآياتٍ﴾ جليلة واضحة الدلالة على عظيم شأنه تعالى، في ذاته وصفاته وأفعاله، وعلى صحة نبوة موسى وهارون - عليهما السلام-، ﴿لأُولي النُّهَى﴾ أي : العقول الصافية، جمع " نُهْيَة "، سمى بها العقل، لنهيه عن اتباع الباطل، وارتكاب القبيح، أي : لذوي العقول الناهية عن الأباطيل، التي من جملتها ما يدعيه الطاغية وما يقبله منه الفئة الباغية. وتخصيص كونها آيات لهم، مع أنها آية للعالمين ؛ لأنهم المنتفعون بها.
﴿منها خلقناكم﴾ أي : من الأرض الممهدة لكم، خلقناكم بخلق أبيكم آدم عليه السلام، وأنتم في ضمنه، إذ لم تكن فطرته مقصورة على نفسه عليه السلام، بل كانت أنموذجًا منطويًا على فطرة سائر أفراد الجنس، انطواء إجماليًا، فكان خلقه عليه السلام منها خلقًا لكل منها، وقيل : خلقت أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض. وقال عطاء : إن المَلَك الموكل بالرحم ينطلق، فيأخذ من تراب المكان الذي يُدفن فيه العبد، فيذره على النطفة، فتخلق من التراب ومن النطفة. هـ.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٩
وفيها نُعيدكم﴾ بالإماتة وتفريق الأجزاء، والكلام على الأشباح دون الأرواح، فإنها، بعد السؤال، تصعد إلى السماء، كما يأتي عند قوله تعالى :﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الواقِعَة : ٨٨] الآية. ولم يقل : وإليها نُعيدكم ؛ إشارة إلى استقرار العبد فيها، ﴿ومنها نُخرجكم تارةً أخرى﴾ بتأليف أجزائكم المتفتتة، المختلطة بالتراب، على الهيئة السابقة، ورد الأرواح إليها. وكون هذا الإخراج تارة أخرى : باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها، وإن لم يكن على التارة الثانية. والتارة في الأصل : اسم للتور، وهو الجريان، فالتارة واحدة منه، ثم أطلق على كل فعلة واحدة من الفعلات المتحدة، كما مر في المرة. والله تعالى أعلم.