ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشُّعَرَاء : ٣١-٣٣]، وعبّر بالجمع، مع كونهما اثنتين، باعتبار ما في تضاعيفهما من الخوارق، التي كل واحدة منها آية. وقد رأى فرعونُ من هاتين الآيتين أمورًا دواهي، فإنه روى أنه عليه السلام، لما ألقى العَصا، انقلبت ثعبانًا أشعر، فاغرًا فاه، بين لَحْيَيْهِ ثمانون ذراعًا، وضع لحيه الأسفل على الأرض، والأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون، فهرب وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه، فصاح فرعون : يا موسى أُنشدك الذي أرسلك إلا أخذته، فأخذه، فعاد عصًا. ورُوي أنها، لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة نحو فرعون، وجعلت تقول : يا موسى مُرني بما شئت، ويقول فرعون : أنشدك... الخ. ونزع يده من جيبه، فإذا هي بيضاء بياضًا نورانيًا خارجًا عن العادة. ففي تضاعيف كُلٍّ من الآيتين آيات جمة، لكنها لما كانت غير مذكورة بالصراحة، أكدت بقوله تعالى :﴿كلَّها﴾، كأنه قيل : أريناه آياتنا بجميع مستتبعاتها وتفاصيلها، قصدًا إلى بيان أنه لم يبق له في ذلك عذر.
وقيل : أريناه آياتنا التسع، وهو بعيد ؛ لأنها إنما ظهرت على يده عليه السلام بعد ما غلبت السحرة على مَهَل، في نحو من عشرين سنة، والكلام هنا قبل المعارضة، اللهم إلا أن يكون الحق تعالى أخبرنا أنه أراه الآيات التسع كلها، فأبى عن الإيمان، ثم رجع إلى إتمام القصة.