الإشارة : يقال للفقير، المتوجه إلى الله تعالى، من قبل الحق : إمَّا أن تُلقي الدنيا من يدك، وإمَّا أن نكون أول من ألقاها عنك، أي : إما أن تتركها اختيارًا، أو تزول عنك اضطرارًا ؛ لأن عادته تعالى، مع المتوجه الصادق، أن يدفع عنه كل ما يشغله من أمور الدنيا فيقول - إن كان صادق القلب - : بل ألقها، ولا حاجة لي بها، فألقاها الحق تعالى،
٢٨٨
وأخرجها من يده، عناية به، فإذا أشغالها وعلائقها كانت تسعى في هلاكه وخراب قلبه وتضييع عمره، فأوجس في نفسه خيفة من العيلة ولحوق الفاقة، قلنا : لا تخف، حيث توجهت إلى مولاك، فإن الله يرزق بغير حساب وبلا أسباب، وأَلقِ ما في يمين قلبك من اليقين، تلقف ما صنعوا، أي : ما صنعت بِكَ خواطر السوء والشيطان، لأنه يَعدِ بالفقر ويأمر بالفحشاء، وإنما صنعوا ذلك ؛ تخويفًا وتمويهًا، لا حقيقة له، كما يفعل الساحر، ﴿ولا يفلح الساحر حيث أتى﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
قلت :﴿في جذوع النخل﴾، قال المحلي : أي : عليها، وهو مذهب كوفي، وأما مذهب البصريين فيقولون : ليست " في " بمعنى " على "، ولكن شبه المصلوب، لتمكنه في الجذع، بالحالّ في الشيء، وهو من الاستعارة التعبيرية، و ﴿من خلاف﴾ : في موضع الحال، أي : مختلفات.