ثم فسر تلك الدرجات، فقال :﴿جناتُ عَدْنٍ﴾ أي : إقامة على الخلود، حال كونها ﴿تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها وذلك جزآء من تزكى﴾ الإشارة إلى ما أنتج لهم من الفوز بالدرجات العلى. والبعد في الإشارة ؛ للتفخيم، أي : ما تقدم من الفوز بالدرجات العلى هو جزاء من تطهر من دنس الكفر والمعاصي، بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة، وهذا تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى. وتقدم ذكر حال المجرم، للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه ودوامه، ردًا على ما ادعاه فرعون بقوله :﴿أينا أشدُ عذابًا وأبقى﴾، هذا وقد قيل : إن قوله :﴿إِنه من يأت...﴾ الخ، ابتداء كلام من الله عزّ وجلّ. والله تعالى أعلم.
الإشارة : في الآية تحريض للفقراء أهل النسبة وأرباب الأحوال، على الثبوت في طريق السلوك، وعدم الرجوع عنها، حين يكثر عليهم الإنكار والتهديد، والتخويف بأنواع العذاب، فلا يكترثون بذلك ولا يتضعضعون، وليقولوا كما قال سحرة فرعون :﴿لن نُؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا...﴾ الآية. وقد جرى هذا على كثير من الصوفية، أُوذوا على النسبة، فمنهم من قُتل، ومنهم من طُوف، ومنهم من أُجلى عن وطنه، إلى غير ذلك مما جرى عليهم،
٢٩٢
ومع ذلك لم يرجعوا عما هم عليه، حتى وصلوا إلى حضرته تعالى وذاقوا. وما رجع من رجع إلا من الطريق، وأما من وصل فلا يرجع أبدًا، ولو قُطع إربًا إربًا. والله ولي المتقين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٠


الصفحة التالية
Icon