رُوِيَ أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل، وكانوا ستمائة وسبعين ألفًا، فأخبر فرعون بذلك، فأتبعهم بعساكره، وكانت مقدمته سبعمائة ألف، فقص أثرهم فلحقهم، بحيث تراءى الجمعان، فلما أبصروا رهجَ الخيل، قالوا :﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشُّعَرَاء : ٦١، ٦٢]. فلما قربوا، قالوا : يا موسى أين نمضي، البحر أمامنا، وخيل فرعون خلفنا، فعند ذلك ضرب موسى عصاه البحر فانفلق على ثنتي عشرة فرقة، ﴿كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشُّعَرَاء : ٦٣] أي : كالجبل العظيم من الماء، وكانوا يمرون به، وكلهم بنو أعمام، لا يرى بعضُهم بعضًا، فقالوا : قد غرق إخواننا، فأوحى الله إلى أطواد الماء : أن اشتبكي، وصارت شبابك، يرى بعضهم بعضًا، ويسمع بعضهم كلامَ بعض، فلما أتى فرعونُ الساحلَ، وجد البحر منفلقًا، فقال : سحر موسى البحر، فقالوا : إن كنت ربًا فادخل كما دخل، فجاء جبريلُ على رَمَكةٍ ودَيِقٍ، أي : تحب الفحل، وكان فرعون على حصان، فاقتحم جبريل بالرمكة الماء، فلم يتمالك حصان فرعون، فاقتحم البحر على إثره، ودخل القبط كلهم، فلما لَجَّجُوا، أوحى الله تعالى إلى البحر أن أغرقهم، فعلاهم البحر وأغرقهم. فَعبَر موسى عليه السلام بمن معه من الأسباط سالمين، وأما فرعون وجنوده ﴿فغَشِيَهم من اليمِّ ما غشيهم﴾ أي : علاهم منه وغمرهم من الأمر الهائل، الذي لا يُقادر قدره ولا يبلغ كنهه. قال القشيري : فغرقوا بجملتهم، وآمن فرعونُ لما ظهر له البأس، فلم ينفعه إقراره، وكان ينفعه لو لم يكن إصرارُه، وقد أدركته الشقاوةُ التي سَبَقَتْ له من التقدير. هـ. وقال الكواشي :﴿وغشيهم﴾ من الغضب والغرق، وغير ذلك، ما لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى. هـ. فإبهام الصلة ؛ للتهويل والتفخيم، وقيل :﴿غشيهم من اليم﴾ ما سمعتَ قصته في غير هذه السورة، وليس بشيء ؛ فإن مدار الإبهام على التهويل والتفخيم، بحيث يخرج عن حدود الفهم


الصفحة التالية
Icon