رُوِيَ أنهم، لما قالوا ذلك، اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفًا ممن لم يعبد العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجَلَبة، وكانوا يرقصون حول العجل، قال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة، فلما وصل إليهم قال لهم ما قال من قوله :﴿ألم يعدكم...﴾ الخ. وسمع منهم ما قالوا من قولهم :﴿ما أخلفنا...﴾ الخ. فلما رأى هارونَ أخذ شعره بيمينه، ولحيته بشماله، غضبًا، ﴿قال يا هارونُ﴾، وإنما جرده من الواو ؛ لأنه استئناف بياني، كأنه قيل : ماذا قال موسى لهارون حين سمع جوابهم له ؟ وهل رضي بسكوته بعدما شهد منهم ما شهد ؟ فقيل :﴿قال يا هارونُ ما منعك إِذْ رأيتَهم ضلّوا﴾ بعبادة العجل، وبلغوا من المكابرة إلى أن شافهوك بتلك المقالة الشنعاء، ﴿ألا تتَّبعنِ﴾ أي : أن تتبعني. على أن " لا " مزيدة، أيْ : أيّ شيء منعك، حين رأيت ضلالتهم، من أن تتبعني فميا أمرتك، وتعمل بوصيتي فتقاتلهم بمن معك ؟ قال ابن عطية : والتحقيق : أن " لا " غير مزيدة، ويُقدر فعل، أي : ما منعك مجانبتهم وسوّل لك ألا تتبعن. هـ. قلت : وفيه نظر ؛ لأن مجانبة هارون عليه السلام للقوم كانت حاصلة، وإنما أنكر عليه عدم مقاتلتهم، أو عدم لحوقه ليخبره، فتأمله. وقيل : المعنى : ما حملك على ألا تتبعن، فإن المنع من الشيء مستلزم للحمل على مقابله، وقيل : ما منعك أن تلحقني وتُخبرني بضلالهم، فتكون مفارقتك زجرًا لهم، وهذا أظهر.
﴿أفعَصَيتَ أمري﴾ بالصلابة في الدين والمحاماة عليه، فإن قوله :﴿اخلفني في قومي﴾ متضمن للأمر بهما حتمًا، فإن الخلافة لا تتحقق إلا بمباشرة الخليفة ما كان يباشره المستخلف لو كان حاضرًا، والهمزة للإنكار، والفاء للعطف، أي : أخالفتني فعصيت أمري.


الصفحة التالية
Icon