يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قال﴾ موسى عليه السلام في توبيخ السامري :﴿فما خطبُك يا سامريُّ﴾ أي : ما شأنك، وما مطلوبك فميا فعلتَ من فتنة القوم ؟ خاطبه بذلك ؛ ليظهرَ للناس بطلانُ كيده باعترافه، وليفعل به وبما صنع من العقاب ما يكون نكالاً للمفتونين به، ولمن خلفهم من الأمم من بعده، ﴿قال﴾ السامري في جوابه :﴿بَصُرْتُ بما لم يَبْصُرُوا به﴾ أي : علمت ما لم يعلمه القوم، وفطِنت لما لم يفطنوا به، أو رأيتُ ما لم يروه، وهذا أنسب، وقد كان رأى جبريل عليه السلام، جاء راكبًا فرسًا، وكان كلما رفع الفرسُ يده أو رجله عن الطريق اليبس، اخضر ما تحت قدمه بالنبات، فعرف أن له شأنًا، فأخذ من موطئه شيئًا من التراب. وذلك قوله تعالى :﴿فقبضتُ قبضةً من أَثَرِ الرسولِ﴾ أي : أثر فرس الرسول، وهو جبريل، الذي أرسل إليك ليذهب بك إلى الطور.
وقال في اللباب : كان السامري من المقربين لموسى عليه السلام، فرأى جبريلَ راكبًا على فرس، وقد دخل البحر فانفلق، فأخذ من أثره، ولم ير ذلك إلا من كان مع موسى. هـ. وقال قتادة : كان السامري عظيمًا في بني إسرائيل، من قبيلة يقال لها : سامرة، ولكن عدو الله نافق، بعدما قطع البحرَ مع بني إسرائيل، فلما مرت بنو إسرائيل بالعمالقة، وهم يعكفون على أصنام لهم، وكانوا يعبدون البقر، ﴿قَالُواْ يامُوسَىا اجْعَلْ لَّنَآ إِلَـاهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعرَاف : ١٣٨]. فاغتنمها السامري فاتخذ العجل. هـ.
٣٠٢
وقال الكواشي : وإنما عرف السامريُّ جبريلَ من بين سائر الناس ؛ لأن أمه ولدته في السنة التي يُقتل فيها الغلمان، فوضعته في كهف ؛ حذرًا عليه، فبعث الله تعالى جبريل ؛ ليربيه لِمَا قضى على يديه من الفتنة. هـ. وضعّفه ابن عطية. قلت : ولعل تضعيفه من جهة النقل، وأما القدرة فهي صالحةَ ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٢


الصفحة التالية
Icon