﴿يَتخَافَتُون بينهم﴾ أي : يخفضون أصواتهم ويخفونها ؛ لِمَا علا صدورهم من الرعب والهول. يقول في تلك المخافتة بعضهم لبعض :﴿إِن لبثتم إِلا عَشْرًا﴾ أي : ما لبثتم في الدنيا إلا عشر ليال ؛ استقصارًا لمدة لبثهم فيها، لزوالها، أو لتأسفهم عليها، لما شهدوا الشدائد والأهوال، أو في القبر، وهو الأنسب بحالهم، فإنهم، حيث يُشاهدون البعث الذي كانوا ينكرونه في الدنيا ويعدونه من قبيل المحال لا يتمالكون من أن يقولوا ذلك ؛ اعترافًا به، وتحقيقًا لسرعة وقوعه، كأنهم قالوا : قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة. وقيل : ما بين النفختين، وهو أربعون سنة. رُوي أنه يرفع العذاب عن الكفار في تلك المدة، فيستقصرون تلك المدة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، لأنهم في طول مدتهم في عذاب القبر لا يعقلون.
قال تعالى :﴿نحن أعلم بما يقولون﴾، وهو مدة لبثهم، أو نحن عالمون اليوم بما يقولون في ذلك الوقت قبل وقوعه، ﴿إِذْ يقولُ أمثلُهم طريقةً﴾ أي : أعدلهم رأيًا وأوفاهم عقلاً :﴿إِن لبثتم إلا يومًا﴾، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم : استرجاع منه تعالى، لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق، بل لكونه أدل على شدة الهول.
﴿ويسألونك عن الجبال﴾ أي : عن مآل أمرها، وقد سأل عنها رجل من ثقيف، وقيل : مشركو مكة، على طريق الاستهزاء، ﴿فقلْ﴾ لهم :﴿يَنْسِفُهَا ربي نَسْفًا﴾ أي : يجعلها كالرمل، ثم يُرسل عليها الرياح فتفرقها، أو يقلعها ويطرحها في البحار كالهباء المنثور، ﴿فيَذرُها﴾ أي : يترك ما كان تحتها من الأرض ﴿قاعًا صفصفًا﴾ أي : أرضًا
٣٠٦
مستوية ؛ لأن الجبال إذا سُويت، وجُعل سطحها مساويًا لسائر أجزاء الأرض، فقد جعل الكل سطْحًا واحدًا. فالضمير في ﴿يذرها﴾ إما للجبال، باعتبار أجزائها السافلة، الباقية بعد النسف، وهي مقارها ومراكزها، وإما للأرض، المدلول عليها بقرينة الحال ؛ لأنها الباقية بعد نسف الجبال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٤


الصفحة التالية
Icon