﴿يومئذٍ لا تنفعُ الشفاعة﴾ أي : يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة لا تنفع شفاعة أحد، ﴿إِلا من أَذِنَ له الرحمن﴾ في الشفاعة، كالأنبياء والأولياء والعلماء الأتقياء، ﴿وَرَضِيَ له قولاً﴾ أي : ورضي قوله في المشفوع له بحيث يقبل شفاعته. وقيل :﴿ورضي له قولاً﴾ في الدنيا، وهو : لا إله إلا الله، مخلصًا من قلبه... أو : إلا من أذن له الرحمن أن يشفع فيه، ورضي لأجله قولاً من الشافع. وهذا أليق بمقام التهويل. وأما من عداه فلا تنفع، وإن وقعت ؛ لقوله تعالى :﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدَّثِّر : ٤٨].
٣٠٧
﴿يعلم ما بين أيديهم﴾ أي : ما تقدمهم من الأحوال، أو من أمر الدنيا، ﴿وما خلفهم﴾ : وما بعدهم مما يستقبلونه، أو من أمر الآخرة، ﴿ولا يُحيطون به علمًا﴾ أي : لا تُحيط علومهم بذاته المقدسة، بحيث يدركون كنه الربوبية، أو : لا تحيط علومهم بمعلوماته تعالى. قال القشيري : الكناية في قوله :﴿به﴾، يحتمل أن تعود إلى ﴿ما بين أيديهم وما خلفهم﴾، ويحتمل أن تعود إلى الحقِّ - سبحانه - وهو طريقة السَّلفَ، يقولون : يُعلَم الحق ولا يحيط به العلم، كما قالوا : إنه يُرى ولا يُدْرَك. هـ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٤
الإشارة : وقد آتيناك من لدُنَّا ذِكْرًا، أي : قرآنًا يجمع القلوبَ على الله، ويدل على مشاهدة الله. من أعرض عنه - أي : عن الله - ولم يتوجه إليه بكليته، فإنه يحمل وِزرًا، يثقله عن الترقي إلى مقام العارفين، فيبقى مُخلدًا في حضيض الغافلين، وذلك في يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، فيُكرم المتقين، ويُهين المجرمين، حيث يزول عنهم ما كانوا فيه من الدعة والسعة، كأنهم ما لبثوا فيه غير ساعة.


الصفحة التالية
Icon