جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١١
ومَنْ أعرَضَ عَن ذِكْرِي} ؛ عن القرآن، أو عن الهُدى الذاكر لي والداعي إليّ، ﴿فإِنَّ له معيشةً ضنكًا﴾ : ضيقًا، مصدر وصف به، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث، يقال : منزل ضنك وعيشة ضنك. وقرئ :" ضنكى " كسكرى. وإنما كان عيشُهُ ضيقًا ؛ لأن مجامع همته، ومطامح نظره مقصورة على أغراض الدنيا، وهو متهالك على ازديادها، وخائف من انتقاصها، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة، فإنَّ نور الإيمان يُوجب له القناعة، التي هي رأس الغنى وسبب الراحة، فيحيى حياة طيبة، وقيل : هو عذاب القبر. ورُوي ذلك عن النبي ﷺ، قال أبو سعيد الخدري :" يُضيق عليه قبره، حتى
٣١٦
تختلف أضلاعه، ويسلط عليه تسعة وتسعون تنينا… " الحديث، وقيل : الصبر على الزقوم والضريع والغسلين.
﴿ونحْشُره يومَ القيامةِ أعمى﴾ : فاقد البصر كقوله :﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىا وُجُوهِهِمْ عُمْياً﴾ [الإسراء : ٩٧]. لا أعمى عن الحجة كما قيل. ﴿قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا﴾ في الدنيا ؟ ﴿قال كذلك﴾ أي : مثل ذلك فعلتَ أنتَ ؛ ﴿أتتك آياتُنا﴾ أي : حجتنا النيرة على أيدي رسلنا ﴿فنسيتَها﴾ أي : عميتَ عنها، وتركتها ترك المنسي الذي لا يذكر قط، ﴿وكذلك اليومَ تُنسى﴾ : تُترك في العمى والعذاب، جزاء وفاقًا. وحشره أعمى لا يدل على دوامه، بل يزيله عنه فيرى أهوال الموقف ومقعده، وكذلك الصمم والبكم يزيلهما الله تعالى عنهم. ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا﴾ [مريَم : ٣٨]، فيومُ القيامة ألوان. ثم قال تعالى :﴿وكذلك﴾ أي : مثل ذلك الجزاء الموافق للجنايات. ﴿نجزي من أسْرَف﴾ وتَعدى ؛ بالانهماك في الشهوات، ﴿ولم يُؤمن بآياتِ ربه﴾، بل كذّب بها وأعرض عنها، ﴿ولعذابُ الآخرة﴾ على الإطلاق، أو عذاب النار، ﴿أشدُّ وأبقى﴾ من ضنك العيش، أو منه ومن الحشر أعمى، عائذًا بالله من جميع ذلك.


الصفحة التالية
Icon